غدو فيلحم ضرغامين عيشهما | | لحم من القوم معفور خراديل |
فقوله : معفور " بالعين المهملة والفاء أي واقع في التراب و " خراديل " أي هو قطع ويحتمل أن يكون من - ص 463 -الخردل أي جعلت أعضاؤه كالخردل وقيل معناه أنها تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا وقيل المخردل المصروع ورجحه ابن التينفقال هو أنسب لسياق الخبر ووقع في رواية إبراهيم بن سعد عند أبي ذر " فمنهم المخردل أو المجازى أو نحوه " ولمسلم عنه " المجازى " بغير شك وهو بضم الميم وتخفيف الجيم من الجزاء
قوله ثم ينجو ) في رواية
إبراهيم بن سعد " ثم ينجلي " بالجيم أي يتبين ويحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي يخلى عنه فيرجع إلى معنى ينجو ، وفي حديث
أبي سعيد فناج مسلم ومخدوش ومكدوس في جهنم حتى يمر أحدهم فيسحب سحبا
قال
ابن أبي جمرة : يؤخذ منه أن المارين على الصراط ثلاثة أصناف : ناج بلا خدوش وهالك من أول وهلة ومتوسط بينهما يصاب ثم ينجو وكل قسم منها ينقسم أقساما تعرف بقوله " بقدر أعمالهم " واختلف في ضبط مكدوس فوقع في رواية
مسلم بالمهملة ورواه بعضهم بالمعجمة ومعناه السوق الشديد ومعنى الذي بالمهملة الراكب بعضه على بعض وقيل مكردس والمكردس فقار الظهر وكردس الرجل خيله جعلها كراديس أي فرقها والمراد أنه ينكفئ في قعرها . وعند
ابن ماجه من وجه آخر عن
أبي سعيد رفعه
يوضع الصراط بين ظهراني جهنم على حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس فناج مسلم ومخدوش به ثم ناج ومحتبس به ومنكوس فيها .
قوله حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده كذا
لمعمر هنا ووقع لغيره " بعد هذا " وقال في رواية
شعيب " حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار " قال
الزين بن المنير : الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضي عليه والمراد إخراج الموحدين وإدخالهم الجنة واستقرار أهل النار في النار وحاصله أن المعنى يفرغ الله أي من القضاء بعذاب من يفرغ عذابه ومن لا يفرغ فيكون إطلاق الفراغ بطريق المقابلة وإن لم يذكر لفظها وقال ابن أبي جمرة معناه وصل الوقت الذي سبق في علم الله أنه يرحمهم وقد سبق في حديث
عمران بن حصين الماضي في أواخر الباب الذي قبله أن الإخراج يقع بشفاعة
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وعند
أبي عوانة والبيهقي وابن حبان في حديث
حذيفة يقول إبراهيم يا رباه حرقت بني فيقول أخرجوا
وفي حديث
عبد الله بن سلام عند
الحاكم أن قائل ذلك
آدم وفي حديث
أبي سعيد فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد يتبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم المؤمنين يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا الحديث هكذا في رواية
الليث الآتية في التوحيد ووقع فيه عند
مسلم من رواية
حفص بن ميسرة اختلاف في سياقه سأبينه هناك إن شاء الله - تعالى - ويحمل على أن الجميع شفعوا وتقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - قبلهم في ذلك ووقع في حديث
عبد الله بن عمرو عند
الطبراني بسند حسن رفعه
يدخل من أهل القبلة النار من لا يحصي عددهم إلا الله بما عصوا الله واجترءوا على معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة - في الموحدين من أهل النار - فأثني على الله ساجدا كما أثني عليه قائما فيقال لي ارفع رأسك الحديث ويؤيده أن في حديث
أبي سعيد تشفع الأنبياء والملائكة والمؤمنون ووقع في رواية
عمرو بن أبي عمرو عن
أنس عند
النسائي ذكر سبب آخر لإخراج الموحدين من النار ولفظه
وفرغ من حساب الناس وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار فيقول أهل النار ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئا فيقول الجبار فبعزتي لأعتقنهم من النار فيرسل إليهم فيخرجون وفي حديث
أبي موسى عند
ابن أبي عاصم والبزار رفعه
وإذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة يقول لهم الكفار ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا بلى . قالوا فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار ؟ فقالوا كانت لنا ذنوب فأخذنا بها فيأمر الله من كان من أهل القبلة فأخرجوا فقال - ص 464 - الكفار يا ليتنا كنا مسلمين
وفي الباب عن
جابر وقد تقدم في الباب الذي قبله وعن
أبي سعيد الخدري عند
ابن مردويه . ووقع في حديث
أبي بكر الصديق "
ثم يقال ادعوا الأنبياء فيشفعون ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون وفي حديث
أبي بكرة عند
ابن أبي عاصم والبيهقي مرفوعا
يحمل الناس على الصراط فينجي الله من شاء برحمته ثم يؤذن في الشفاعة للملائكة والنبيين والشهداء والصديقين فيشفعون ويخرجون .
قوله ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ) قال القرطبي : لم يذكر الرسالة إما لأنهما لما تلازما في النطق غالبا وشرطا اكتفى بذكر الأولى أو لأن الكلام في حق جميع المؤمنين هذه الأمة وغيرها ولو ذكرت الرسالة لكثر تعداد الرسل قلت الأول أولى ويعكر على الثاني أنه يكتفى بلفظ جامع كأن يقول مثلا ونؤمن برسله وقد تمسك بظاهره بعض المبتدعة ممن زعم أن من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه وهو قول باطل فإن من جحد الرسالة كذب الله ومن كذب الله لم يوحده
قوله أمر الملائكة أن يخرجوهم ) في حديث
أبي سعيد اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار فأخرجوه وتقدم في حديث
أنس في الشفاعة في الباب قبله
فيحد لي حدا فأخرجهم ويجمع بأن الملائكة يؤمرون على ألسنة الرسل بذلك فالذين يباشرون الإخراج هم الملائكة ووقع في الحديث الثالث عشر من الباب الذي قبله تفصيل ذلك ووقع في حديث
أبي سعيد أيضا بعد قوله ذرة
فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا وفيه " فيقول الله
شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي حديث
معبدعن
الحسن البصري عن
أنس فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله وسيأتي بطوله في التوحيد . وفي حديث
جابر عند
مسلم " ثم يقول الله أنا أخرج بعلمي وبرحمتي " وفي حديث
أبي بكر أنا أرحم الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا - قول الله تعالى - قال
الطيبي هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة ثم حبة ثم خردلة ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان وهو على وجهين أحدهما ازدياد اليقين وطمأنينة النفس لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه والثاني أن يراد العمل وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل وينصر هذا الوجه قوله في حديث
أبي سعيد " لم يعملوا خيرا قط " قال
البيضاوي : وقوله ليس ذلك لك أي أنا أفعل ذلك تعظيما لاسمي وإجلالا لتوحيدي وهو مخصص لعموم حديث
أبي هريرة الآتي
أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله مخلصا قال ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر قال
الطيبي : إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازدياد اليقين أو العمل الصالح حصل الجمع قلت ويحتمل وجها آخر وهو أن المراد بقوله ليس ذلك لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث أسعد الناس لكونه ابتدأ بطلب ذلك والعلم عند الله - تعالى - . وقد مضى شرح حديث أسعد الناس بشفاعتي في أواخر الباب الذي قبله مستوفى
قوله فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ) في رواية
إبراهيم بن سعد " فيعرفونهم في النار بأثر السجود " قال
الزين بن المنير : تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله سبحانه وتعالى
سيماهم في وجوههم من أثر السجود - ص 465 - لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية وقال غيره بل يعرفونهم بالغرة وفيه نظر لأنها مختصة بهذه الأمة والذين يخرجون أعم من ذلك
قوله ( وحرم الله على النار أن تأكل من ابن
آدم أثر السجود ) هو جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث
أبي سعيد عند
مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن الله بالشفاعة فإذا صاروا فحما كيف يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف أثره وحاصل الجواب تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دل عليها من هذا الخبر وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي يسجد أو المراد من سجد ؟ فيه نظر والثاني أظهر قال
القاضي عياض : فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار ، وأنها لا تأتي على جميع أعضائهم إما إكراما لموضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله - تعالى - أو لكرامة تلك الصورة التي خلق
آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلق قلت الأول منصوص والثاني محتمل لكن يشكل عليه أن الصورة لا تختص بالمؤمنين فلو كان الإكرام لأجلها لشاركهم الكفار وليس كذلك قال
النووي : وظاهر الحديث أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة وهي الجبهة واليدان والركبتان والقدمان وبهذا جزم بعض العلماء وقال
عياض : ذكر الصورة ودارات الوجوه يدل على أن المراد بأثر السجود الوجه خاصة خلافا لمن قال يشمل الأعضاء السبعة ويؤيد اختصاص الوجه أن في بقية الحديث " أن منهم من غاب في النار إلى نصف ساقيه " وفي حديث
سمرة عند
مسلم " وإلى ركبتيه " وفي رواية
هشام بن سعد في حديث
أبي سعيد " وإلى حقوه " قال
النووي : وما أنكره هو المختار ولا يمنع من ذلك قوله في الحديث الآخر في
مسلم إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم فإنه يحمل على أن هؤلاء قوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار فيكون الحديث خاصا بهم وغيره عاما فيحمل على عمومه إلا ما خص منه . قلت إن أراد أن هؤلاء يخصون بأن النار لا تأكل وجوههم كلها وأن غيرهم لا تأكل منهم محل السجود خاصة وهو الجبهة سلم من الاعتراض وإلا يلزمه تسليم ما قال القاضي في حق الجميع إلا هؤلاء وإن كانت علامتهم الغرة كما تقدم النقل عمن قاله وما تعقبه بأنها خاصة بهذه الأمة فيضاف إليها التحجيل وهو في اليدين والقدمين مما يصل إليه الوضوء فيكون أشمل مما قاله
النووي من جهة دخول جميع اليدين والرجلين لا تخصيص الكفين والقدمين ولكن ينقص منه الركبتان وما استدل به القاضي من بقية الحديث لا يمنع سلامة هذه الأعضاء مع الانغمار لأن تلك الأحوال الأخروية خارجة على قياس أحوال أهل الدنيا ودل التنصيص على دارات الوجوه أن الوجه كله لا تؤثر فيه النار إكراما لمحل السجود ويحمل الاقتصار عليها على التنويه بها لشرفها وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلما ولكنه كان لا يصلي لا يخرج إذ لا علامة له لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله لم يعملوا خيرا قط وهو مذكور في حديث
أبي سعيد الآتي في التوحيد وهل المراد بمن يسلم من الإحراق من كان يسجد أو أعم من أن يكون بالفعل أو القوة ؟ الثاني أظهر ليدخل فيه من أسلم مثلا وأخلص فبغته الموت قبل أن يسجد ووجدت بخط أبي رحمه الله - تعالى - ولم أسمعه منه من نظمه ما يوافق مختار
النوويوهو قوله
يا رب أعضاء السجود عتقتها | | من عبدك الجاني وأنت الواقي |
والعتق يسري بالغني يا ذا الغنى | | فامنن على الفاني بعتق الباقي |
قوله فيخرجونهم قد امتحشوا هكذا وقع هنا وكذا وقع في حديث أبي سعيد في التوحيد عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده ووقع عند أبي نعيم من رواية أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن - ص 466 - بكير " فيخرجون من عرفوا " ليس فيه " قد امتحشوا " وإنما ذكرها بعد قوله فيقبض قبضة وكذا أخرجه البيهقي وابن منده من رواية روح بن الفرج ويحيى بن أبي أيوب العلاف كلاهما عن يحيى بن بكير به قال عياض : ولا يبعد أن الامتحاش يختص بأهل القبضة والتحريم على النار أن تأكل صورة الخارجين أولا قبلهم ممن عمل الخير على التفصيل السابق والعلم عند الله - تعالى - وتقدم ضبط " امتحشوا " وأنه بفتح المثناة والمهملة وضم المعجمة أي احترقوا وزنه ومعناه والمحش احتراق الجلد وظهور العظم قال عياض : ضبطناه عن متقني شيوخنا وهو وجه الكلام وعند بعضهم بضم المثناة وكسر الحاء ولا يعرف في اللغة امتشحه متعديا وإنما سمع لازما مطاوع محشته يقال محشته وأمحشته وأنكر يعقوب بن السكيت الثلاثي وقال غيره أمحشته فامتحش وأمحشه الحر أحرقه والنار أحرقته وامتحش هو غضبا وقال أبو نصر الفارابي : والامتحاش الاحتراق
قوله فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة في حديث
أبي سعيد فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة والأفواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الأوائل وتقدم في الإيمان من طريق
يحيى بن عمارة عن
أبي سعيد " في نهر الحياة أو الحياء " بالشك ، وفي رواية
أبي نضرة عند
مسلم " على نهر يقال له الحيوان أو الحياة " وفي أخرى له
فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة وفي تسمية ذلك النهر به إشارة إلى أنهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك
قوله فينبتون نبات الحبة بكسر المهملة وتشديد الموحدة تقدم في كتاب الإيمان أنها بذور الصحراء والجمع حبب بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها مثلها وأما الحبة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حبوب بضمتين ووقع في حديث أبي سعيد " فينبتون في حافتيه " وفي رواية لمسلم " كما تنبت الغثاءة " بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة وبعد الألف همزة ثم هاء تأنيث هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبذور وغيرها والمراد به هنا ما حمله من البذور خاصة
قوله في حميل السيل بالحاء المهملة المفتوحة والميم المكسورة أي ما يحمله السيل وفي رواية
يحيى بن عمارة المشار إليها إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل يكون فيه الحبة فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة ووقع في رواية
لمسلم " في حمئة السيل " بعد الميم همزة ثم هاء وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة وهو ما تغير لونه من الطين وخص بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبا قال
ابن أبي جمرة فيه إشارة إلى سرعة نباتهم لأن الحبة أسرع في النبات من غيرها وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه ، قال ويستفاد منه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان عارفا بجميع أمور الدنيا بتعليم الله - تعالى - له وإن لم يباشر ذلك . وقال
القرطبي : اقتصر
المازري على أن موقع التشبيه السرعة وبقي عليه نوع آخر دل عليه قوله في الطريق الأخرى
ألا ترونها تكون إلى الحجر ما يكون منها إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض وفيه تنبيه على أن ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن والنور ونضارة النعمة عليهم . قال ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع نصوعه وأن غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه والله أعلم
- ص 467 - قوله ويبقى رجل زاد في رواية
الكشميهني منهم مقبل بوجهه على النار هو آخر أهل النار دخولا الجنة تقدم القول في آخر أهل النار خروجا منها في شرح الحديث الثاني والعشرين من الباب الذي قبله ووقع في وصف هذا الرجل أنه كان نباشا وذلك في حديث
حذيفة كما تقدم في أخبار بني إسرائيل
أن رجلا كان يسيء الظن بعمله فقال لأهله أحرقوني الحديث وفي آخره " كان نباشا " ووقع في حديث
حذيفة عن
أبي بكر الصديق عند
أحمد وأبي عوانة وغيرهما وفيه
ثم يقول الله انظروا هل بقي في النار أحد عمل خيرا قط ؟ فيجدون رجلا فيقال له هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا غير أني كنت أسامح الناس في البيع الحديث وفيه
ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقال له هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا غير أني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني الحديث وجاء من وجه آخر أنه " كان يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة " أخرجه الحسين المروزي في زيادات الزهد
لابن المبارك من حديث عوف الأشجعي رفعه
قد علمت آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل كان يسأل الله أن يجيره من النار ولا يقول أدخلني الجنة فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقي بين ذلك فيقول يا رب قربني من باب الجنة أنظر إليها وأجد من ريحها فيقربه فيرى شجرة الحديث وهو عند
ابن أبي شيبة أيضا وهذا يقوي التعدد لكن الإسناد ضعيف وقد ذكرت عن
عياض في شرح الحديث السابع عشر أن آخر من يخرج من النار هل هو آخر من يبقى على الصراط أو هو غيره وإن اشترك كل منهما في أنه آخر من يدخل الجنة ووقع في نوادر الأصول للترمذي الحكيم من حديث
أبي هريرة أن أطول أهل النار فيها مكثا من يمكث سبعة آلاف سنة وسند هذا الحديث واه والله أعلم وأشار
ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر من يخرج من النار وهو المذكور في الباب الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة وبين آخر من يخرج ممن يبقى مارا على الصراط فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من دخلها وقد وقع في " غرائب
مالك للدارقطني " من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن
مالك عن
نافع عن
ابن عمر رفعه
إن آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين وحكى
السهيلي أنه جاء أن اسمه
هناد وجوز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين والآخر للآخر
قوله فيقول يا رب في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد " أي رب "
قوله قد قشبني ريحها بقاف وشين معجمة مفتوحتين مخففا - وحكي التشديد - ثم موحدة قال الخطابي : قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ يكظمه وأصل القشب خلط السم بالطعام يقال قشبه إذا سمه ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته وقال النووي : معنى قشبني سمني وآذاني وأهلكني هكذا قاله جماهير أهل اللغة وقال الداودي : معناه غير جلدي وصورتي قلت ولا يخفى حسن قول الخطابي وأما الداودي فكثيرا ما يفسر الألفاظ الغريبة بلوازمها ولا يحافظ على أصول معانيها وقال ابن أبي جمرة : إذا فسرنا القشب بالنتن والمستقذر كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة وهو من أعظم نعيمها وعكسها النار في جميع ذلك . وقال ابن القطاع : قشب الشيء خلطه بما يفسده من سم أو غيره وقشب الإنسان لطخه بسوء كاغتابه وعابه وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده أو غيره أو أزال عقله أو تقذره هو والله أعلم
قوله وأحرقني ذكاؤها ) كذا للأصيلي وكريمة هنا بالمد وكذا في رواية إبراهيم بن سعد وفي رواية أبي ذر - ص 468 - وغيره ذكاها بالقصر وهو الأشهر في اللغة وقال ابن القطاع : يقال ذكت النار تذكو ذكا بالقصر وذكوا بالضم وتشديد الواو أي كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها وأما ذكا الغلام ذكاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته قال النووي : المد والقصر لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لم يوجد عن أحد من المصنفين في اللغة ولا في الشارحين لدواوين العرب حكاية المد إلا عن أبي حنيفة الدينوري رأي في " كتاب النبات " في مواضع منها ضرب العرب المثل بجمر الغضا لذكائه قال وتعقبه علي بن حمزة الأصبهاني فقال ذكا النار مقصور ويكتب بالألف لأنه واوي يقال ذكت النار تذكو ذكوا وذكاء النار وذكو النار بمعنى وهو التهابها والمصدر ذكاء وذكو وذكو بالتخفيف والتثقيل فأما الذكاء بالمد فلم يأت عنهم في النار وإنما جاء في الفهم وقال ابن قرقول في " المطالع " وعليه يعتمد الشيخ وقع في مسلم فقد أحرقني ذكاؤها بالمد والمعروف في شدة حر النار القصر إلا أنالدينوري ذكر فيه المد وخطأه علي بن حمزة فقال ذكت النار ذكا وذكوا ومنه طيب ذكي منتشر الريح وأما الذكاء بالمد فمعناه تمام الشيء ومنه ذكاء القلب وقال صاحب الأفعال ذكا الغلام والعقل أسرع في الفطنة وذكا الرجل ذكاء من حدة فكره وذكت النار ذكا بالقصر توقدت
قوله فاصرف وجهي عن النار قد استشكل كون وجهه إلى جهة النار والحال أنه ممن يمر على الصراط طالبا إلى الجنة فوجهه إلى الجنة لكن وقع في حديث أبي أمامة المشار إليه قبل أنه ينقلب على الصراط ظهرا لبطن فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل ربه في ذلك
قوله فيصرف وجهه عن النار ) بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية
شعيب " فيصرف الله " ووقع في رواية
أنس عن
ابن مسعود عند
مسلم وفي حديث
أبي سعيد عند
أحمد والبزار نحوه أنه
يرفع له شجرة فيقول رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول الله لعلي إن أعطيتك تسألني غيرها فيقول لا يا رب ويعاهده أن لا يسأل غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه وفيه أنه " يدنو منها وأنه يرفع له شجرة أخرى أحسن من الأولى عند باب الجنة ويقول في الثالثة ائذن لي في دخول الجنة وكذا وقع في حديث
أنس الآتي في التوحيد من طريق
حميد عنه رفعه
آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة ونحوه
لمسلم من طريق
النعمان بن أبي عياش عن
أبي سعيد بلفظ
إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة ومثلت له شجرة ويجمع بأنه سقط من حديث
أبي هريرة هنا ذكر الشجرات كما سقط من حديث
ابن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة
قوله ثم يقول بعد ذلك يا رب قربني إلى باب الجنة ) في رواية شعيب " قال يا رب قدمني "
قوله فيقول أليس قد زعمت ) في رواية شعيب " فيقول الله أليس قد أعطيت العهد والميثاق "
قوله لعلي إن أعطيتك ذلك في رواية التوحيد " فهل عسيت إن فعلت بك ذلك أن تسألني غيره " أما " عسيت " ففي سينها الوجهان الفتح والكسر وجملة " أن تسألني " هي خبر عسى والمعنى هل يتوقع منك سؤال شيء غير ذلك وهو استفهام تقرير لأن ذلك عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب وهو من باب إرخاء العنان إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكر في أمره والإنصاف من نفسه
قوله : فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق يحتمل أن يكون فاعل - ص 469 - " شاء " الرجل المذكور أو الله قال ابن أبي جمرة : إنما بادر للحلف من غير استحلاف لما وقع له من قوة الفرح بقضاء حاجته فوطن نفسه على أن لا يطلب مزيدا وأكده بالحلف
قوله فإذا رأى ما فيها سكت في رواية شعيب " فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة " وفي رواية إبراهيم بن سعد " من الحبرة " بفتح المهملة وسكون الموحدة ولمسلم " الخير " بمعجمة وتحتانية بلا هاء والمراد أنه يرى ما فيها من خارجها إما لأن جدارها شفاف فيرى باطنها من ظاهرها كما جاء في وصف الغرف وإما أن المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة كما كان يحصل له أذى لفح النار وهو خارجها
قوله ثم قال ) في رواية إبراهيم بن سعد " ثم يقول "
قوله ( ويلك ) في رواية شعيب " ويحك "
قوله يا رب لا تجعلني أشقى خلقك المراد بالخلق هنا من دخل الجنة فهو لفظ عام أريد به خاص ومراده أنه يصير إذا استمر خارجا عن الجنة أشقاهم وكونه أشقاهم ظاهر لو استمر خارج الجنة وهم من داخلها قال الطيبي : معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق ولكن تفكرت في كرمك ورحمتك فسألت ، وقع في الرواية التي في كتاب الصلاة " لا أكون أشقى خلقك " وللقابسي " لأكونن " قال ابن التين المعنى لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن والألف في الرواية الأولى زائدة وقال الكرماني : معناه لا أكون كافرا . قلت هذا أقرب مما قال ابن التين ولو استحضر هذه الرواية التي هنا ما احتاج إلى التكلف الذي أبداه فإن قوله " لا أكون " لفظه لفظ الخبر ومعناه الطلب ودل عليه قوله " لا تجعلني " ووجه كونه أشقى أن الذي يشاهد ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهد وقوله " خلقك " مخصوص بمن ليس من أهل النار
قوله فإذا ضحك منه تقدم معنى الضحك في شرح الحديث الماضي قريبا
قوله ثم يقال له تمن من كذا فيتمنى في رواية أبي سعيد عند أحمد " فيسأل ويتمنى مقدار ثلاثة أيام من أيام الدنيا " وفي رواية التوحيد " حتى إن الله ليذكره من كذا " وفي حديث أبي سعيد " ويلقنه الله ما لا علم له به "
قوله قال أبو هريرة ) هو موصول بالسند المذكور
قوله وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا ) سقط هذا من رواية شعيب . وثبت في رواية إبراهيم بن سعد هنا ووقع ذلك في رواية مسلم مرتين إحداهما هنا والأخرى في أوله عند قوله : ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار "
قوله قال عطاء وأبو سعيد أي الخدري والقائل هو عطاء بن يزيد بينه إبراهيم بن سعد في روايته عن الزهري قال قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري .
قوله لا يغير عليه شيئا في رواية إبراهيم بن سعد لا يرد عليه
- ص 470 - قوله هذا لك ومثله معه قال
أبو سعيد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ووقع في رواية
إبراهيم بن سعد " قال
أبو سعيد وعشرة أمثاله يا
أبا هريرة فقال " فذكره وفيه " قال
أبو سعيد الخدري : أشهد أني حفظته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ووقع في حديث
أنس عند
ابن مسعود يرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها ووقع في حديث
حذيفة عن
أبي بكر انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله فيقول أتسخر بي وأنت الملك ووقع عند
أحمد من وجه آخر عن
أبي هريرة وأبي سعيد جميعا في هذا الحديث " فقال
أبو سعيد ومثله معه فقال
أبو هريرة وعشرة أمثاله ، فقال أحدهما لصاحبه حدث بما سمعت وأحدث بما سمعت " وهذا مقلوب فإن الذي في الصحيح هو المعتمد وقد وقع عند
البزار من الوجه الذي أخرجه منه
أحمد على وفق ما في الصحيح نعم وقع في حديث
أبي سعيد الطويل المذكور في التوحيد من طريق أخرى عنه بعد ذكر من يخرج من عصاة الموحدين فقال في آخره " فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه " فهذا موافق لحديث
أبي هريرةفي الاقتصار على المثل ويمكن أن يجمع أن يكون عشرة الأمثال إنما سمعه
أبو سعيد في حق آخر أهل الجنة دخولا والمذكور هنا في حق جميع من يخرج بالقبضة وجمع
عياض بين حديثي
أبي سعيد وأبي هريرة باحتمال أن يكون
أبو هريرة سمع أولا قوله : ومثله معه " فحدث به ثم حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالزيادة فسمعه
أبو سعيد وعلى هذا فيقال سمعه
أبو سعيد وأبو هريرةمعا أولا ثم سمع
أبو سعيد الزيادة بعد وقد وقع في حديث
أبي سعيد أشياء كثيرة زائدة على حديث
أبي هريرة نبهت على أكثرها فيما تقدم قريبا وظاهر قوله " هذا لك وعشرة أمثاله " أن العشرة زائدة على الأصل ووقع في رواية
أنس عن
ابن مسعود " لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا " وحمل على أنه تمنى أن يكون له مثل الدنيا فيطابق حديث
أبي سعيد . ووقع في رواية
لمسلمعن
ابن مسعود " لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها " والله أعلم وقال
الكلاباذي إمساكه أولا عن السؤال حياء من ربه والله يحب أن يسأل لأنه يحب صوت عبده المؤمن فيباسطه بقوله أولا " لعلك إن أعطيت هذا تسأل غيره " وهذه حالة المقصر فكيف حالة المطيع وليس نقض هذا العبد عهده وتركه ما أقسم عليه جهلا منه ولا قلة مبالاة بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم وقد قال - صلى الله عليه وسلم -
من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر على يمينه وليأت الذي هو خير فعمل هذا العبد على وفق هذا الخبر والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة قال
ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى : في هذا الحديث من الفوائد جواز مخاطبة الشخص بما لا تدرك حقيقته وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه وأن الأمور التي في الآخرة لا تشبه بما في الدنيا إلا في الأسماء والأصل مع المبالغة في تفاوت الصفة والاستدلال على العلم الضروري بالنظري وأن الكلام إذا كان محتملا لأمرين يأتي المتكلم بشيء يتخصص به مراده عند السامع وأن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار وأن امتثال الأمر في الموقف يقع بالاضطرار - أي لا اختيار فيه للعبد - . وفيه فضيلة الإيمان لأنه لما تلبس به المنافق ظاهرا بقيت عليه حرمته إلى أن وقع التمييز بإطفاء النور وغير ذلك وأن الصراط مع