الحجاب .. تربية وارتقاء
أ.د.عبدالله الكيلاني
يقول الله تعالى مخاطبا نبيه : « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا « الأحزاب: 59
والجلباب هو ثوب واسع تلبسه المرأة فوق ثيابها حتى لا يصف جسمها، ويشترط في الجلباب أو الثوب الشرعي أن يكون ساترا للون البشرة وحجمها .
والخمار هو: ما تستر به المرأة رأسها وقسما من وجهها. ويعبر عن الجلباب الخمار معا بالحجاب بمعنى أنه يستر ما ينبغي ستره
وقد جاء أمر بالستر في القرآن الكريم ضمن توجيه عام خوطب فيه الرجال بغض البصر كما خوطبت النساء ء به فقال سبحانه:( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ ... الآية) ثم نهت الآيات عن أداوت الزينة التي تلفت النظر كلخلخال فقال سبحانه: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: (31
وبالتأمل في الآيات الكريمة تجد أنها بدأت بخطاب الرجال باحترام خصوصية المرأة وعدم إطالة النظر إلى جسدها وهو نوع من التصرف المؤذي للمرأة و يندرج تحت التحرش الجنسي بالنظر وقد بدأت الدعوات تتكاثر إلى تجريم التحرش بقانون بل وتحدد القوانين الحديثة المسافة التي ينبغي أن على الرجل أن لا يتجاوزها عند حديثة مع المرأة ، وإلا عد التصرف نوعا من التحرش المجرم قانونا . وذلك لما في التحرش من أضرار نفسية على المرأة كالحزن و الخوف و سرعة الغضب - الاحباط - التقليل من احترام الذات - الاكتئاب - القلق - الصدمة - الانكار و الرفض - عدم الامان - الارتباك - الشعور بالخزي - الحيرة - التشويش - العزلة - وعقدة الذنب.
وقد ينعكس سلبا على الناحية البدنية على شكل : الصداع - مشاكل جنسية - الشعور بعدم النظافة والنجاسة - فقدان التركيز - التعب و الارهاق.
أو ينعكس بتاثيرات من جوانب اخرى: خلق مواقف سلبية نحو اناس آخرين خاصة الرجال - رفض الخروج من اجل العمل خوفا من التعرض للتحرش(قلة الرضا عن العمل) - الشك او اتهام(لوم النفس) - تشكيل عوائق هامة لكل من النساء على مستوى الترفيه او المشاركة في الحياة العامة .
وهذا ما يكشف لنا عن أن الحجاب يراعى خصوصية جنس المرأة بقطع النظر عن دينها فهو يجنبها النظرات المؤذية المرأة ويهيأ لها الجو الأنسب لاستقرارها النفسي.
غير أن ما يؤخذ على القوانين الحديثة أنها جرمت إطالة النظر للمرأة ولم تطالب المرأة بالستر؛وفي هذا قصور من جهة عدم مراعاة نفسية الرجل أيضا. وعدم تعريضه للإثارة ومن هنا جاء الخطاب القرآني متوازنا في مخاطبة كل من الرجل والمرأة بغض البصر فقال سبحانة : :( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا من أبصارهم ...) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) كما خاطب المرأة بستر جسدها صونا له عن النظرات المزعجة وهذا بعض ما يدل عليه عموم قوله سبحانه: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) الأحزاب: 59
ولعل عدم التفات القوانين الحديثة لأهمية تستر المرأة جاء متأثرا بما في طبع المرأة من حب التزين كما قال سبحانه: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)[ الزخرف: 18 وفي هذا تنبيه لما نشأت عليه المرأة من رغبة في التزيين والتحلي .
والقرآن الكريم يدرك رغبة المرأة في احترام خصوصيتها وأن لا تتعرض للنظرات المزعجة كما يدرك ما فطرت عليه من ورغبة في التزين والتحلي ومن هنا شرع الحجاب
«فهو للفتاة كالمحارة للُّؤلؤة: في داخله تنمو شخصيتها،وتوجه للطريق الحق لتلبية حاجتها و لتعد كزوجة وضاءة، وأم معطاءة ذلك أن في كل فتاة رغبة في أن تُدِلً وتتباهى بجمالها وأناقتها وجاذيتها مما يعد من مظاهر تميزها وشعورها بتقديرها لذاتها. وهي في الوقت نفسه تتأذى من ملاحقة النظرات الفاسقة التي تنال من خصوصيتها وراحتها، والإسلام يسعى لتلبية رغبة الفتاة على أكمل وجه وأجمل حال
وقد أعطى الإسلام للمرأة مجالا لأن تظهر زينتها لكنه وجهها إلى أن قيمة المرأة كإنسان هو بعطائها قبل أن يكون بجمالها ((«ما الحجاب للمرأة إلا حفظ روحانية المرأة للمرأة ، وصونها عن التبذل الممقوت
وما كان الحجاب مضروبا على المرأة نفسها، بل على حدود الأخلاق من أن تتجاوز مقدارها أو يخالطها السوء أو يتدسس إليها، فكل ما أدى إلى هذه الغاية فهو حجاب
فليس الحجاب إلا كالرمز لما وراءه من أخلاقه ومعانيه وروحه الدينية المعبدية، وهو كالصدفة لاتحجب اللؤلؤة ولكن تربيها في الحجاب تربية لؤلؤية، فوراء الحجاب الشرعي الصحيح معاني التوازن والاستقرار والهدوء والاطراد وأخلاق هذه المعاني وروحها الديني القويم ))
والحجاب يوجه هذه الفتاة إلى أن يكون مجال تميز المرأة وتلبية رغباتها في داخل بيتها « فتكون الزوجة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك فالفتيات المؤمنات»لا يبدين زيتنهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو إخوانهن أوبني إخوانهن.