الحجاب .. هوية وانتماء
أ.د.عبدالله الكيلاني - إنك إذا نظرت إلى مدينة ما من خلال الصور قد تعرف هويتها من شكل بنائها وطرازها المعماري وقد تعرفه من الأعلام المرفوعة وكذا تعرفه من ألبسة أهلها فإذا رأيت النساء في ثياب العفة عرفت أنك في بلد مسلم ولهذا فإن الحجاب هو تعبير عن هوية وانتماء كما تعبر السفارات عن هويتها برفع علم بلادها .
والحجاب اليوم سمة للمسلمات ومن هنا يتعرض لمحاولة تضييق في المجتمعات التي تألف التعايش مع من يخالفها ثقافة رغم ما تدعيه من قبول للتعددية.
ما نراه اليوم في أوروبا من تضييق على الحجاب يعود في جزء منه إلى أن أوربا عبر تاريخها لم تألف التعايش مع التنوع الثقافي فهي أحادية المذهب نادر أن يجتمع في بلد واحد أبناء مذاهب دينية متنوعة ولذا ترى رفضا لقبول الآخر وهذا عيب من الفكر الجامد، فالغرب الذي يسوق لأفكاره في بلادنا تحت أهمية قبول التعددية يضيق بقبول الحجاب ويضيق عليه المسار.
وإن تعجب فعجب قولهم: التعددية وقبول الرأي الآخر معيار للرقي ثم هم يضيقون بالرأي الآخر حين يكون مخالفا لما ألفوه! .
إن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش تلبسه الفتاة بل هو تعبير عن هويتها وانتمائها مثلما حكم شرعي يدخل تحت باب حرية التدين المكفولة بموجب المواثيق الدولية.
وهذا يستلزم من الدول المسلمة والمؤسسات الإسلامية حسن توظيف العلاقات الدولية لإصدار مواثيق دولية تمنع الإساءة للأديان وتحمي حرية التدين للأفراد وترتيب الجزاءات الرادعة على من يضايق الناس في ممارستهم لحريتهم الدينية لأن الدول ينبغي أن تترك الناس وحرياتهم الدينية.
إن الحضارات التي تدعو المرأة للسفور تعد المرأة لتكون عارضة أزياء، وكلما زاد جمالها فتحت لها أبواب الصدارة والتكريم وتصدرت صفحات المجلات ونشرات الأخبار وبرامج الفضائيات. فإذا تناقص جمالها بحكم عوامل الزمن تراجعت صورة الفتاة الجميلة والممثلة الآخاذة بالألباب من صفحة الغلاف إلى الصفحات الداخلية، وكلما مر زمن تم تأخيرها، إلى أن تتلاشى في غياهب النسيان غير آبهين بمشاعرها كإنسان. أما في شرع الله تعالى الذي هو رحمة للعالمين فإن قيمة المرأة بأمرين أولا لأنها إنسان وثانيا بالنظر إلى عطائها، فهي إنسان معطاء وليست تحفة أو مانيكان لعرض الأزياء.
وكلما مر زمان زادت المرأة المسلمة من العطاء وزادت في إنسانيتها فزاد تقديرها في منظار الشرع ومن هنا تجد الجدة في المجتمع المسلم تحمل رصيدا ضخما من العطاء وتجسِد صفاء في الإنسانية.
المسلمة تجدها ملكة غير متوجة، الكل حولها لا بالنظر لجمالها الأخَاذ ولسحر لحظها وإنما لسمو إنسانيتها ولدفء، مجلسها وهكذا يكون الحجاب تقديرا للمرأة في كبرها وصغرها وتوجيها لها نحو العطاء والسمو والارتقاء وفي هذا المعنى يقول الرافعي في وحي القلم :
إن الحجاب هو الأقرب لطبيعة المرأة فهي قد أعطيت من طبيعتها كل معاني حجابها فإحساسها محتجب مختبئ أبدا كأنه في جلباب أو عباءة، وأفكارها طويلة الملازمة لها لا تكاد تتركها كأنها منها في بيتها، وطبيعة الحذر تلازمها كأنها الحارس، فخروج المرأة من حجابها خروج من صفاتها .
كإخراج الشجرة من تربتها فأنت إذا كشفت جذور الشجرة لتطلقها بزعمك من حجابها فإنما أعطيتها النور ولكن معه الضعف، والحرية ومعها الانتقاص وتكون قد أخرجتها من حجابها ومن طبيعتها معا، فخذها بعد ذلك خشبا لا ثمرا، ومنظر شجرة لا شجرة، لقد أعطيتها من علمك لا من حياتها وجهلت أنها تنموا في حجابها في قانون حياتها وكذلك جذور الشجرة الإنسانية إنما تنمو في حجابها « .