الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله محمد ، صلى الله عليه وسلم ،
أما بعد :
كثيراً من العلماء والزهاد والصالحين ، قد من الله عليهم بالهداية والصلاح بسبب كلمة ! ،
كان لها وقعاً عظيماً وتأثيراً كبيراً على قلوبهم ، فغيرت مجرى حياتهم ، وصاروا بعدها أئمة في الزهد والعلم والورع
فرأيت في جمعها في هذه الصفحة مستعيناً بإخواني ، فائدة لي ، ولهم.
1- قال الفضل بن موسى:
كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق، وكان سبب توبته أنه عشق جارية
فبينا هو يرتقي الجدران إليها سمع رجلاً يتلو {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق}
فقال: يا رب قد آن، فرجع،
فأواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة
فقال بعضهم: نرتحل، وقال قوم: حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا،
فتاب الفضيل وأمّنهم، وجاور بالحرم حتى مات
[تاريخ الإسلام:12/334].
2- قيل لعمر بن عبد العزيز - رحمه الله -:
ما كان بدء إنابتك ؟
قال : أردت ضرب غلام لي ،
فقال لي :
يا عمر ! اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة .
[ المجالسة وجواهر العلم : 2/268 ]
3- سبب إسلام عمر بن الخطاب-رضي الله عنه -:
يروى أنه التجأ ليلة إلى المبيت خارج بيته، فجاء إلى الحرم، ودخل في ستر الكعبة، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي، وقد استفتح سورة { الْحَاقَّةُ } ،فجعل عمر يستمع إلى القرآن، ويعجب من تأليفه، قال : فقلت ـ أي في نفسي : هذا والله شاعر، كما قالت قريش، قال : فقرأ { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ } [ الحاقة : 40، 41 ] قال : قلت : كاهن . قال : { وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } إلى آخر السورة [ الحاقة :42، 43 ] . قال : فوقع الإسلام في قلبي .
كان هذا أول وقوع نواة الإسلام في قلبه، لكن كانت قشرة النزعات الجاهلية، وعصبية التقليد، والتعاظم بدين الآباء هي غالبة على مخ الحقيقة التي كان يتهمس بها قلبه، فبقى مجدًا في عمله ضد الإسلام غير مكترث بالشعور الذي يكمن وراء هذه القشرة .
وكان من حدة طبعه وفرط عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج يومًا متوشحًا سيفه يريد القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام العدوي، أو رجل من بني زهرة، أو رجل من بني مخزوم فقال : أين تعمد يا عمر ؟ قال : أريد أن أقتل محمدًا . قال : كيف تأمن من بني هاشم ومن بني زهرة وقد قتلت محمدًا ؟ فقال له عمر : ما أراك إلا قد صبوت، وتركت دينك الذي كنت عليه، قال : أفلا أدلك على العجب يا عمر ! إن أختك وخَتَنَكَ قد صبوا، وتركا دينك الذي أنت عليه، فمشى عمر دامرًا حتى أتاهما، وعندهما خباب بن الأرت، معه صحيفة فيها : [ طه ] يقرئهما إياها ـ وكان يختلف إليهما ويقرئهما القرآن ـ فلما سمع خباب حس عمر توارى في البيت، وسترت فاطمة ـ أخت عمر ـ الصحيفة . وكان قد سمع عمر حين دنا من البيت قراءة خباب إليهما، فلما دخل عليهما قال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم ؟ فقالا : ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا . قال : فلعلكما قد صبوتما . فقال له ختنه : يا عمر، أرأيت إن كان الحق في غير دينك ؟ فوثب عمر على ختنه فوطئه وطأ شديدًا . فجاءت أخته فرفعته عن زوجها، فنفحها نفحة بيده، فدمى وجهها ـ وفي رواية ابن إسحاق أنه ضربها فشجها ـ فقالت، وهي غضبى : يا عمر، إن كان الحق في غير دينك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله .
فلما يئس عمر، ورأي ما بأخته من الدم ندم واستحيا، وقال : أعطونى هذا الكتاب الذي عندكم فأقرؤه، فقالت أخته : إنك رجس، ولا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل، فقام فاغتسل، ثم أخذ الكتاب، فقرأ : { بسم الله الرحمن الرحيم } فقال : أسماء طيبة طاهرة . ثم قرأ [ طه ] حتى انتهي إلى قوله : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } [ طه : 14] فقال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ؟ دلوني على محمد .
فلما سمع خباب قول عمر خرج من البيت، فقال : أبشر يا عمر، فإني أرجو أن تكون دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس : ( اللّهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام ) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصفا .
فأخذ عمر سيفه، فتوشحه، ثم انطلق حتى أتى الدار، فضرب الباب، فقام رجل ينظر من خلل الباب، فرآه متوشحًا السيف، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجمع القوم، فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ قالوا : عمر ؟ فقال : وعمر ؟ افتحوا له الباب، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن كان جاء يريد شرًا قتلناه بسيفه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم داخل يوحى إليه، فخرج إلى عمر حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، ثم جبذه جبذة شديدة فقال : ( أما أنت منتهيًا يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزى والنكال ما نزل بالوليد بن المغيرة ؟ اللهم، هذا عمر بن الخطاب، اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ) ، فقال عمر : أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله . وأسلم، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد .
الرحيق المختوم
4- عن عبد الله بن المبارك -رحمه الله -:
قد كان سبب توبته أنه سمع قوله تعالى { ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق } وقال بلى والله وكان هذا أول زهده
طبقات الحنفية 2/529
5- اجتاز داود الطائي -رحمه الله-:
على مقبرة وامرأة عند قبر تقول هذين البيتين
فسمعها فكان ذلك سبب توبته يعني سبب انقطاعه عن الدنيا وأسبابها وانشغاله بالآخرة والاستعداد لها
أهوال القبور (ص 280)
6- قيل كان سبب توبة شقيق بن إبراهيم أبو علي الأزدي أنه كان من أبناء الأغنياء خرج للتجارة إلى أرض الترك وهو حدث ودخل بيت الأصنام فرأى خادما للأصنام قد حلق رأسه ولحيته وليس ثيابا أرجوانية فقال شقيق للخادم إن لك صانعا حيا عالما فاعبده ولا تعبد هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع فقال إن كان كما تقول فهو قادر على أن يرزقك ببلدك فلم تعنيت إلى ما ها هنا للتجارة فانتبه شقيق وأخذ في طريق الزهد
الرسالة القشيرية
7- عن يونس البلخي قال:
كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف، وكان أبوه كثير المال والخدم والمراكب والجنائب والبزاة، فبينا إبراهيم في الصيد على فرسه يركّضه إذا هو بصوت من فوقه يا إبراهيم ما هذا العبث {أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثاً وأنّكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون:115]، اتق الله! عليك بالزاد ليوم الفاقة فنزل عن دابته وأخذ في عمل الآخرة".
[مسند إبراهيم بن أدهم: 1/18].
8- كان بشر بن الحارث شاطرا يجرح بالحديد، وكان سبب توبته أنه وجد قرطاسا في أتون حمام فيه: بسم الله الرحمان الرحيم، فعظم ذلك عليه، ورفع طرفه إلى السماء وقال: سيدي، اسمك ها هنا ملقى فرفعه من الارض، وقلع عنه السحاة (1) التي هو فيها، وأتى عطارا، فاشترى بدرهم غالية (2)، لم يكن معه سواه، ولطخ تلك السحاة بالغالية، فأدخله شق حائط، وانصرف إلى زجاج كان يجالسه، فقال له الزجاج: والله يا أخي أقول لك، حتى تحدثني ما فعلت في هذه الايام، فيما بينك وبين الله تعالى، فقال:
ما فعلت شيئا أعلمه، غير أني اجتزت اليوم بأتون حمام.
فذكره.
فقال الزجاج: رأيت كأن قائلا يقول لي في المنام: قل لبشر: ترفع اسما لنا من الارض إجلالا أن يداس لننوهن باسمك في الدنيا والآخرة.
(1) في اللسان: السحا والسحاة والسحاءة والسحاية: ما انقشر من الشئ كسحاءة النواة والقرطاس.
وسحا القرطاس: أخذ منه سحاءه أو شده بها، وسحوت القرطاس وسحيته أسحاه: إذا قشرته.
(2) الغالية: الطيب.
9- كان صلة بن أشيم -رحمه الله -:
يخرج إلى الجبانة (المصلى العام الذي يكون في طرف البلدة) فيتعبد فيها، فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فقال لهم، أخبروني عن قوم أرادوا سفراً فحادوا النهار عن الطريق وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم، قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم فمر بهم ذات يوم فقال لهم هذه المقالة، فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم إنه لا يعني بهذا غيرنا نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام، ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات.
حلية الأولياء (2/238) ، البداية والنهاية (9/21 )
10- قال أبو هاشم الرماني -رحمه الله-قال زاذان*:
كنت غلاما حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور -آلة عزف-، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ- خمر- وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود فدخل فضرب الباطية (إناء الخمر) فبددها وكسر الطنبور،
ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى.
فقلت لأصحابي: من هذا ؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي، وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى وقال: مرحبا بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج لي تمرا
سير أعلام النبلاء (4/281)
* أبو عمر الكندي أحد كبار التابعين ، أسلم في حياة النبي ، قال عنه الذهبي -رحمه الله- أحد العلماء الكبار
11- قال أبو زيدٍ النّحوي –رحمه الله-:
كان الذي حدَاني على طلب الأدبِ والنَّحو أني دخلتُ على جعفر بن سليمان
فقال: ادْنُه فقلتُ: أنا دَنِيٌّ فقال: «لا تقل يا بنيَّ أنا دَنِيٌّ ولكن قل أنا دَانٍ»
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/27)
12- كان عبد الجبار بن خالد –توفي سنة(281 هـ) - رحمه الله -:
غادياً الى الجمعة، فإذا بشاب جميل حسن البشرة، يمشي في أثر صبية. فاتكأ عبد الجبار، فقطع شسعه -نعله-، وناداه: يا شاب. فوقف، ومشى إليه عبد الجبار، وقال له: أنا شيخ ضعف بصري، وانقطع شسعي، فأصلحه. وأخذ منه النعل فأصلحه.
ومشى في أثر الصبية فقطعه ثانية. وناداه ليصلحه فعطف. وقال له: أنا قطعته يا شاب. إشفاقاً على هذا الشباب من لفح النار، وبكى. فبكى الفتى. وجزاه خيراً. وصحبه الى الجامع وحسنت توبته.
ترتيب المدارك (4/387)
13- قال أَبُو نَصْرٍ الْفَتْحُ بْنُ شَخْرَفٍ-رحمه الله-:
تعلق رجل بامرأة ومعه سكين لا يدنو منه أحد إلا عقره ، وكان شديد البدن فبينا الناس كذلك والمرأة تصيح مر بشر بن الحارث
فدنا منه وحك كتفه بكتف الرجل فوقع الرجل إلى الأرض ومرت المرأة ومر بشر فدنوا من الرجل وهو يرشح عرقا فسألوه ما حالك؟
فقال : ما أدري ؟! ولكن حاكني شيخ وقال : إن الله عز وجل ناظر إليك وإلى ما تعمل. فضعفت لقوله وهبته هيبة شديدة لا أدري من ذلك الرجل ؟!
فقالوا له : ذاك بشر بن الحارث. فقال : واسوأتاه كيف ينظر إلي بعد اليوم وحُمَّ من يومه ذاك ومات يوم السابع.
التبصرة لابن الجوزي (2/287)
14- قال زبيد الإيامي –رحمه الله-:
«سمعت كلمة، فنفعني الله عز وجل بها ثلاثين سنة ! »
سير أعلام النبلاء (5/ 297)
15- كان الحسن بن أبي الحسن يجلس في مجلسه الذي يذكر فيه في كل يوم ، وكان حبيب الفارسي * يجلس في مجلسه الذي يأتيه فيه أهل الدنيا والتجار وهو غافل عما فيه الحسن لا يلتفت إلى شيء من مقالته إلى أن التفت إليه يوما، فقال سائلاً بالفارسية ماذا يفعل الحسن في مجلسه
فقيل: والله يا أبا محمد هو يذكر الجنة ويذكر النار ويرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا، فوقر ذلك في قلبه، فقال بالفارسية: اذهبوا بنا إليه. فأتاه فقال جلساء الحسن: يا أبا سعيد، هذا أبو محمد حبيب قد أقبل إليك فعظه وأقبل عليه فوقف عليه فقال: أين همي كومي جكوي؟ فقال الحسن: إيش يقول. قال: يقول: هذا الذي يقول إيش يقول.
قال: فأقبل عليه الحسن فذكره الجنة وخوفه النار ورغبه في الخير وزهده في الشر ورغبه في الآخرة وزهده في الدنيا فوقعت موعظته من قلبه، فخرج عما كان يتصرف فيه ثقة بالله، ومكتفيا بضمانه
فاشترى نفسه من الله عز وجل وتصدق بأربعين ألفا في أربع دفعات، تصدق بعشرة آلاف في أول النهار، فقال: يا رب اشتريت نفسي منك بهذا، ثم أتبعه بعشرة آلاف أخرى فقال: يا رب هذه شكرا لما وفقتني له، ثم أخرج عشرة آلاف أخرى فقال: رب إن لم تقبل مني الأولى والثانية فاقبل هذه، ثم تصدق بعشرة آلاف أخرى فقال: رب إن قبلت مني الثالثة فهذه شكرا لها
حلية الأولياء (6/149) ، تاريخ دمشق (12/47)
16- قال رجاء بن عيسى -رحمه الله-:
قال لي عمرو بن جرير: تدري أي شيء كان سبب توبتي؟ خرجت مع أحداث بالكوفة فلما أردت أن آتي المعصية هتف بي هاتف: {كل نفس بما كسبت رهينة} [المدثر: 38]
حلية الأولياء