تشابها في الصعود وفي الشخصية وتركا الباقي للصحافة والجمهور
السندريلا والعندليب: لماذا لم يعلنا حبَّهما؟
لندن - إبراهيم العريس
في الحياة الفنية مئات من حكايات الغرام. ولكن من النادر لحكاية غرام حقيقية من هذا النوع وفي مثل هذه البيئة أن تكتمل ولاسيما حين يكون كل من طرفي الحكاية، أو معا، نجما من كبار النجوم. وهنا على أي حال، تضيع الدلالات وتنعدم الحقائق ويصبح من المشروع التساؤل عما إذا كانت الحكاية حكاية حب حقيقية، أم حكاية وهمية من اختراع الصحافة أو وكلاء الفنانين، أو حتى من اختراع الجمهور نفسه، ولعل حكاية «حب» عبدالحليم حافظ وسعاد حسني، تمثل النموذج الأشهر -عربيا على الأقل- في هذا السياق.
اسمه: عماد عبدالحليم.
مهنته: مطرب وممثل في بعض الأحيان.
مصيره: وجد ذات يوم، قبل أعوام قليلة، ميتا بفعل تناوله جرعات زائدة من المخدرات.
الذين وصلهم يومذاك نبأ ذلك الموت القاسي الذي كان مصير عماد عبدالحليم، هزوا رؤوسهم أسفا. فالشاب كان عذب الصوت، وسيما، ذا حضور طيب، وكان النوع العاطفي الذي اختار أن يغنيه مقبولا ويعد بمستقبل كبير. غير أن هذه الأمور لم تكن هي ما شغل الأذهان في حينه.
ما شغلها كان أمرا آخر تماما، إذ فجأة استعاد الناس، أو بعضهم على الأقل، ذكرى اثنين من كبار النجوم الذين مروا على الحياة الفنية العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة من السنين، سعاد حسني وعبدالحليم حافظ. وذلك لأن الحكاية -التي لم يتمكن أحد من إثباتها- تزعم أن عماد عبدالحليم كان الابن غير الشرعي للعندليب الأسمر. وهذه «العلاقة» كانت طوال فترة طويلة من الزمن مالئة بعض الدنيا وشاغلي الناس. ولئن غابت عن الأذهان بعض الشيء، فإن الصعود المدوي لعماد عبدالحليم في عالم الطرب، كما في أفلام قليلة مثلها، ثم موته العنيف، أعاداها إلى الأذهان. وقيل في ذلك الحين إن صدمة موته هي التي أصابت سعاد حسني بصدمة أدت إلى انهيار صحتها بشكل لاتزال تعاني منه حتى اليوم.
لكن هذا -وحتى إشعار آخر- ليس أكثر من حكايات صحف فنية وصحف فضائح وإشاعات تسري على الشفاه من دون أن يكون ثمة، حتى في حياة صاحبي العلاقة، ما يؤكدها.
حبيبتي من تكون؟
مهما يكن في الأمر، فإن «الغرام» المفترض بين عبدالحليم وسعاد، كان واحدا من أحلى حكايات الحب التي عرفتها الحياة الفنية العربية. رويت كثيرا، وعاش كثيرون على أحلامها، واقتبست منها وعنها قصص وأفلام، ودفعت الناس إلى أن يبحثوا في عمق أعماق أغاني العندليب منقبين عن أية إشارة تؤكد -لأن أحدا لم يكن راغبا في إشارة تنفي- وجود ذلك الحب. وكثيرون رأوا في الأغنية الأخيرة التي غناها عبدالحليم «حبيبتي من تكون؟» تحديا للجميع. وكان الفنان شاء في ساعاته الأخيرة أن يؤكد أنه مات من دون أن ينكشف سره.
أما سعاد حسني فظلت صامتة على الدوام، حين يسألها أحد عن حبها لعبدالحليم حافظ، تكتفي بابتسامة حنون ولا تجيب، حتى وإن كان حدث لها مرات أن نفت مؤكدة أن عبدالحليم «زي أخويه». والطريف أن الفيلم الوحيد الذي جمع بينهما -في بداياتها وفي حقبة تألقه- كان فيلم «البنات والصيف»، حيث لعبت دور... أخته في قصة من قصص الفيلم الثلاث.
هنا لابد من أن نعود بعض الشيء إلى عماد عبدالحليم، لنلفت إلى أن الفتى كان شديد الشبه بالمغني الكبير الراحل، شكلا وصوتا. بل إنه حين قام ببعض الأدوار في أفلام قليلة، كان أداؤه صورة طبق الأصل عن أداء العندليب؛ نظراته، الحنان في سماته، حركة يديه. شبه في التصرف وفي الشكل وفي الصوت يفاجئ. ولا يحتاج الناس، الذين تابعوا لسنوات «حكاية الحب» بين عبدالحليم وسعاد، إلى أكثر من هذا حتى يروا أن الفنان الشاب لا يمكن إلا أن يكون ابن العندليب، وهو ما عاد وأكده مسلسل إذاعي كتبه صحافي مصري ورصد فيه حياة عبدالحليم حافظ جاعلا من حكاية الحب المفترضة جزءا أساسيا منها.
طبعا، أصر أهل عبدالحليم حافظ، دائما على نفي هذا كله.
ومن ناحية سعاد حسني كان زواجها من المخرج الفنان علي بدرخان، في حد ذاته، أمرا من شأنه أن يوقف «الإشاعة» عند حدها. أما عماد عبدالحليم فإنه، في العديد من الأحاديث الصحافية التي أجريت معه، كان يبقي إجاباته ملتبسة بعض الشيء، من دون أن يعني هذا إقرارا منه بحتمية أن تكون الحكاية صحيحة.
وهذا كله يضعف أمام مجموعة من الأسئلة أولها: طالما أن عبدالحليم حافظ وسعاد حسني شخصان ناضجان، فما الذي كان بإمكانه أن يحول دون زواجهما وإعلانه، ومن دون اكتمال حكاية الحب بينهما لو كانت الحكاية صحيحة؟ والحال أن هذا السؤال في حد ذاته قادر على أن ينفي الحكاية من أساسها، لأنه لو كانت هناك حكاية حب حقيقية بينهما، لما كانت هناك أي ضرورة للف والدوران.
إذا كانت الحكاية كلها مختلقة، كما يمكن للمرء أن يفترض، يبرز سؤال ثان: لماذا إذا سرت هذه الحكاية أصلا؟ لمصلحة من؟ ومن الذي «فبركها»؟
الجواب البديهي والسريع هو: هوية صاحبيها، وعلاقة الجمهور بنجومه.
فالجمهور يعيش، عادة، حاجته إلى الحكايات التي تلهب مخيلته وعاطفته. وفي هذا السياق، ثمة تحليلات عديدة تتناول، مثلا، حكاية الحب الأشهر في الأدب والتاريخ العربيين، حكاية قيس وليلى، لتقول إن حكاية الحب هذه لم توجد أصلا. خلقها التراكم والتواتر من جيل إلى آخر. خلقتها حاجة الناس إلى اختراع حكايات يعيشون من خلالها حيواتهم الثانية، ويرمون عليها - كالمشجب - طبيعتهم الميلودرامية.
والحكاية تختار، عادة، أبطالها بكل عناية.
وعبدالحليم حافظ وسعاد حسني، كانا بطلين نموذجين لحكاية غرامية، وهذا هو الأساس.
وهنا قد يكون من المفيد أن نتذكر بعض التعليقات التي واكبت توزيع الأدوار في فيلم «البنات والصيف» - الجزء الذي مثل، فيه، عبدالحليم حافظ وسعاد حسني وزيزي البدراوي - في الفيلم كانت سعاد، كما أشرنا، أخت عبدالحليم، وزيزي البداروي حبيبته. الجمهور لم يستسغ هذا الأمر كثيرا، وجد أن سعاد تليق بعبدالحليم أكثر، وأن زيزي قد يكون من الأنسب لها أن تلعب دور شقيقته، إذ، على الرغم، من قصر دور سعاد وثانويته في الفيلم، بدت متألقة كلية الحضور، طاغية تشع بالحيوية والفرح.
وفي لعبة التماهي التاريخية بين الجمهور ونجومه، أحب الجمهور الذكوري سعاد، وتاق الجمهور الأنثوي إلى أن يكون عبدالحليم فتى الأحلام، ومن هنا كان الاستياء من تلك العلاقة الأخوية المفتعلة بينهما. وحتى اليوم، من النادر لأحد أن يذكر وجود زيزي البدراوي في الفيلم.
منذ تلك اللحظة بالتأكيد، تمكن الجمهور من العثور على حبيبة لعبدالحليم، وكان الجمهور، منذ زمن بعيد، يفتش عن حبيبة لنجمه ومطربه المفضل. وقد وجد الجمهور سعاد نموذجية للعب هذا الدور.