د. جمال فياض يكتب: «الحكاية محمدية».. أجمل عمل فنى ظهر فى مجال الغناء
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=268279&IssueID=1882
يبدو أن شركة «أرابيكا» بدأت تحتل موقعها الكبير على خريطة الإنتاج الغنائى والموسيقى.
وها هى الشركة الفتية، تقدم للجمهور العربى هدية ثمينة جداً فى شهر رمضان المبارك، الشهر الذى تحول لدى البعض إلى موسم للإنتاج التليفزيونى التجارى، ألبوم ثمين وعزيز على كل مستمع، تضمن عشر حكايات عن سيدات كان لهن حضورهن الطاغى، والبارز فى الإسلام. «الحكاية محمدية» بصوت أنغام، ومن شعر الدكتور نبيل خلف، وألحان وليد سعد، وتوزيع موسيقى للفنان أسامة الهندى، صمم الغلاف فنان جميل لم يضع اسمه على الغلاف، لكنه يستحق أن نحييه على هذا التصميم الجميل جداً، والمستوحى من مخطوطات إسلامية والخط العربى القديم. فى غلاف أنيق تم تنفيذه بمنتهى الحرفية والجمال.. لنستمع معاً إلى «الحكاية محمدية».
١- «آمنة»: وصف جميل لقلب الأم فى شعر رقيق وعذب.. سحر الكلمة من أول سطر.. «أنا ابنى يتيم، لكن رحيم وعظيم صلوا على محمد أفضل صلا وتسليم..».. مع صولو كمان فيه سحر خاص.. حنون وعذب، نستمع إلى موسيقى فيها صورة الخشوع والاحترام للاسم المذكور. وصوت أنغام عذب وحساس جداً.
«يا مسلمين فاكرين.. أنا قلبى لسه حزين، آمنة تموت فجأة، وكان عمره ست سنين».. موسيقى وغناء وكلمات تنتزع الدفء والحنان من أعماق القلب. أى روعة هذه؟ غناء أنغام من القلب، وفيه إحساس عالٍ جداً.
٢- «صفية» «زوجة رسول الله»: فى نص جميل وبديع، تغنى أنغام لحناً مميزاً وخاصاً.. دخول بالبيانو، ثم تنطلق أنغام من مكان عال.. «كيف كانت البداية..» جواب أنغام عذب وجميل ودافئ. وليد سعد، هنا يضع لحناً شرقياً ناعماً، وأجمل ما فى هذا اللحن وباقى الألحان، أن التوزيع الموسيقى لم يذهب بعيداً فى التغريب.. رغم حضور الآلات الموسيقية الغربية الخالصة. مكان للناى والقانون والإيقاعات الشرقية، وضربات المزاهر واضحة وجميلة.. وعندما تتدخل الكمان.. تأتى ناعمة ورقيقة. هناك أستاذ كبير يفرض بأنامله الإعجاب. إنه محمود سرور «على الكمان والفيولا».. ورضا بدير على الناى.. هذه تحفة فنية من الروائع.. إنه سحر يتكرر مع كل حكاية.
٣- «أم أيمن» فى دخول جميل بنقرات ناعمة على القانون وضربات لطيفة للإيقاع. تبدأ أنغام بغناء جميل وكلمات عذبة، ثم يدخل الناى لينسجم مع الأجواء.. والكلمات الرقيقة.. التى فيها صورة حقيقية وواقعية عن سيرة الرسول الكريم «صلى الله عليه وسلم».. «أم أيمن، هى أمى بعد أمى.. سيرة المرأة التى وضعت كل حنانها وأمومتها لمحمد الطفل والولد والشاب. مذهل تصوير نبيل خلف للصورة. هناك أسلوب عذب من السهل الممتنع فى وصف وتصوير الحالة.. بنعومة ما بعدها نعومة.. التوزيع الموسيقى الجميل، يذهب بالسامع إلى حالة من الحب والإيمان بعيدة الاتجاه.. أجمل ما فى وليد سعد أنه يلحن إحساسه الموسيقى ممزوجاً بنفحة شعور بالاندماج العالى مع المعانى.. وهو أكثر من يشعر بالمعنى فى النص الشعرى الجميل.
٤- «فاطمة» «بنت الرسول» الصورة الشعرية التى يصف فيها نبيل خلف فاطمة وعلاقة النبى الكريم بها، تجعل الكلام يرفعها إلى حيث تستحق.. «بنت النبى وأم النبى، بتعويضه عن الصبى. وبتقفى ضد المشركين، وما تخافيش ولا تتعبى، وفى مكان آخر، يا زاهدة من مولدك، سيدنا النبى بيوعدك، حيموت وبعده تحصليه.. فى الآخرة ربى حيسعدك..» على لحن وناى وأداء رفيع من أنغام، نستمع إلى حكاية لا يمكن إلا أن نذوب فيها حباً.
٥- «عائشة» «زوجة رسول الله»: هناك تناغم بين الشاعر والملحن لا يمكن وصفه.. والسامع لا يمكن إلا أن يمنح هذه الحكايات الغنائية والموسيقية كل مشاعره وأحاسيسه. أنغام فى هذا المكان، تعيش اللحن الجميل، والأداء الصعب يصبح سهلاً على المطربة المتمكنة. ضربات الإيقاع هنا غريبة خالصة، والـ«درامز» لا يبدو علينا غريباً.. لأن اللحن يكاد يكون فالتاً، لولا ضربات «الـ«درامز» المضبوطة على اللحن الذاهب إلى مساحات شاسعة فى الأداء والموسيقى.
٦- «زينب» «بنت الرسول»: «طلب إيديها ابن الربيع، فرحت خديجة بالخبر، سيدنا النبى قال للجميع إدونى مهلة للنظر».. الحكاية هنا تفسر نفسها، حكمة استشارة المرأة أولاً وأخيراً.. ثم حكمة لا إكراه فى الدين.. مجموعة من الحكايات فى قصيدة راقية جداً، وتمييز سخى بالجمال والأسلوب الشعرى الأقرب إلى الرباعيات، التى تروى الفكرة بحكمة وأسلوب وتعبير جميل.. أجواء الموسيقى سامية جداً، وآلات النفخ هنا لها حصتها الكافية. الأداء على الساكسوفون والكلارينيت للفنان محمد فوزى، يستحق التقدير والالتفات بانتباه.
أداء أنغام الجميل، أحياناً يصل إلى منح السامع القدرة على الدخول فى حياة لم يعشها فى زمن لم يكن فيه.. منتهى الجمال فى التصوير الشعرى والموسيقى والغنائى.
٧- «حليمة السعدية»: مرضعة النبى الكريم التى برها طوال عمره، ورعاها وحفظ جميلها.. يصفها نبيل خلف هنا بأجمل الوصف.. «حليمة السعد من سعدك، ومين زيك ومين قدك، نبينا الزين رضع سنتين، تساعدى يتيم ويساعدك..» يطغى الناى على اللحن، وفى التوزيع الموسيقى ترك للناى الكثير من المساحات، لكن البيانو أطل فى مكان بمنتهى الجمال.. أجمل ما فى ألحان وليد سعد أنه يترك لخيال الموزع الموسيقى أن يذهب بأجواء اللحن إلى حيث يرى الأمر ممكناً ومناسباً، لحن جميل وأداء غنائى جميل.
٨- «أم عمارة»: اختيار أم عمارة للكتابة فيها، إنما هو تقدير لدور المرأة فى الحروب.. وهذه المرأة المقاتلة الشرشة، التى دافعت عن الإسلام فى معارك عديدة.. يصفها الشاعر بأجمل الأوصاف ويسلط عليها الضوء، ونحن أحوج ما نكون إلى تأكيد أن المرأة لها دورها فى الإسلام منذ ظهور الرسالة الكريمة، فكرة الكلام عن أم عمارة فكرة عبقرية وجميلة، أما الوصف الموسيقى ففى منتهى الدفء والجمال.
٩- «أسماء بنت أبى بكر»: مثالية فى تضحيتها، أصالتها تجاه الرسول الكريم، يصفها الشاعر بأحلى الكلام وأعذبه وأصدقه.. الهدوء فى الموسيق يكاد يسحر الألباب. ويبن تناغم البزق وأوتاره والبيانو والكمان.. تدخل أنغام بصوتها.. بحضورها وبأداء بسيط وجميل.. أسماء بنت أبى بكر التى هاجرت وهى حامل.. «حامل فى عبدالله بن الزبير، تطلع على الجبل الكبير، شايلة الطعام للرسول وبيفتكرها بكل خير».. الموسيقى ساحرة جداً بين الفواصل، ويترك للخيال أن يسرح بعيداً بعيداً.. منتهى الجمال الموسيقى والشعرى.
١٠- «ماريا القبطة»: هدية المقوقس المصرى إلى الرسول الكريم عندما دعاه للهداية، حررها عليه الصلاة والسلام، وأهدته ولده إبراهيم الذى لم يعش طويلاً. تصوير وشرح واضح لسيرة هذه المرأة الكريمة، وقصتها مع النبى الكريم الرحيم والطيب والإنسان، نغمات وليد سعد هنا، فيها صورة حزن شديد.. لكن التوزيع لم يبتعد كثيراً عن الفكرة، وألمح فى مكان ما أورغ كنائسى باستشعار بسيط.. وإن كان القانون هو الوسيلة الأجمل للتعبير عن الحنان والدفء. ماريا القبطية واحدة من أمهات المسلمين أكرمها نبى الرحمة، وبها أكرم كل النساء ورفض التمييز بينهن، كما أكرم مصر التى جاء فيها ادخلوها بسلام آمنين.
الخلاصة: هذا الألبوم لا يقل جمالاً عن سابقه، الألبوم الدينى الذى جاء بصوت المطرب وائل جسار ألبوم «الحكاية محمدية» لأنغام، أجمل عمل فنى ظهر فى مجال الغناء الملتزم بمبدأ وأسلوب محترم فى هذا الموسم، وأنغام أستاذة فى الأداء الجميل ورفيع الإحساس