اللهم لك الحمد أنت أحق من عبد،و أرءف من ملك،وأعز من ذكر،وأكرم من سؤل،وأوسع من أعطى،وأرجى من ابتغي واحكم من شرع وأعدل من قضى،واقوىمن استنصر وأعز من نصر،القلوب إليك مصغية والسر عندك علانية الحلال ما أحللت والحرام ما حرمت والدين ما شرعت لا تطاع إلا بإذنك،و لا تعصى إلا بعلمك تطاع فتشكر وتعصى فتغفر.اللهم فلك الحمد كما نقول وخير مما نقول لك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة كبت عدونا وأظهرت أمننا وأغنيت فقرنا وجمعت شملنا وفرجت كربتنا وكشفت غمنا ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضى ولك الحمد على حمدنا إياك .أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يبتغى ولا ند له يرتجى وأشهد أن سيدنا وإمامنا وقرة أعيننا محمداً عبد الله ورسوله إمام التقى وعنوان الطهر والنقاء صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأطهار الحنفاء وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد :
فأوصيكم يا من صمتم رمضان وقمتم لياليه تبتغوا بذلك من الله الرضوان بتقوى الله، بتقوى الله وأبشركم أن ربكم الكريم قد أعد للمتقين خيراً عظيماً أذكر لكم طرفاً منه في قوله تعالى:{إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا()حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا()وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا()وَكَأْسًا دِهَاقًا()لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا()جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا}.
أخي الحبيب هذا شهر رمضان قد أعد رحاله للرحيل فياله من فراق على النفس المطمئنة شديد ، فاسمع أُخيَّ أُسدي لك بعض النصائح علها تخفف على نفسك لوعة فراق هذا الشهر العظيم ، اسمع يا رعاك الله إلى نصيحة محب لك يرجوا لك الخير كله عل العظيم أن ينفعني وإياك بهذه الكلمات في يوم تشخص فيه الأبصار في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
النصيحة الأولى:اغتنم هذه العشر ولاتقل أن نصفها قد انصرم فهناك النصف الباقي وهو من الأهمية بما كان فقد ذكر أهل العلم أن من أرجى ليالي الوتر أن تكون فيها ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين،تعرض ليلة قيامها خير من ألف شهر كما قال الذي خلقك وصورك في كتابه العزيز:{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ()وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ()لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}هذه الليلة كان نبيك وقدوتك صلى الله عليه وسلم يتحراها وهو من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لأنها تجارة رابحة تقوم عشر ليالي من رمضان تصادف فيها ليلة القدر فتمد في عملك الصالح مايزيد على ثلاث وثمانين عاما كلها صفحات طاعة بيضاء ناصعة لايكدرها سواد المعصية،أخرج الأمام مسلم عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبوها وجدها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الآواخر مالا يجتهد في غيرها،وفي الصحيحين عنها قالت:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله،وكان من دأبه صلى الله عليه وسلم الانقطاع الكلي للعبادة في هذه العشر وذلك بالاعتكاف في المسجد، وكانت تلك سنة ماضية إلى يوم القيامة،لكن أيها الأحبة من كان في اعتكافه تضييع لواجبات كحقوق أبوين كبيرين أو تضييع لأبناء أونحوها فإن الواجب يقدم، أخي الحبيب مهما كانت مشاغلك فإنها لاتحجزك عن إداراك فضل هذه الليلة المباركة فإن لم تستطع اعتكاف الأيام والليالي فلا أقل من الليالي تدخل المسجد من الغروب وتخرج الفجر،فإن لم تستطع فلا أقل من أن تقوم مع الإمام حتى ينصرف في أي مسجد من المساجد لأن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ولكن احذر أن تنصرف فترتكب في تلك الليلة محرماً فتكون ممن اتبع الحسنة بسيئة واحرص أن تكون في تلك الليلة في ذكر وتلاوة قرآن وغيرها من العبادات،ومن كان عمله يشغله طوال ليالي العشر فنقول له أنت في عملك في عبادة فلا تنسى استحضار هذه النية لاسيما إن كنت في خدمة المصلين والقائمين تعمل لتيسر لهم صلاتهم فلك بإذن الله مثل أجرهم،ثم إن العمل لايمنعك من ذكر الله وأنت تعمل فطيب لسانك في تلك الليالي بكثرة ذكر الله، ولاتنسى أخي الحبيب بيتك وزوجك وأولادك ألا تحب أن تراهم غداً معك في الجنة فحثهم على استغلال هذه الليالي وليكن بيتك في ليالي العشر يدوي فيه ذكر الله والقرآن،بين لهم فضل هذه الليالي وضع لهم الطريقة العملية لاستثمارها في مرضات الواحد الأحد عل الله أن يصلح لك زجك وأولادك فتقر بهم عينك بقية عمرك، وقد يوجد بين نساء المنزل حائض أو نفساء فهذا لايمنعهن من إدراك فضل هذه الليالي ولو بالابتعاد عن المنكرات وبكثرة ذكر الله، واحذر أخي سوطاً يسلطه عدو الله وعدو المؤمنين أبليس أجارنا الله وإياك من شره على عباد الله فيصيب منهم مقتلا ألا وهو الانشغال بملابس العيد ومشتروات العيد فتضيع فرصة العمر على العبد بالعتق من النيران في هذه الليالي الفاضلة ويضحك المجرم ويخسر العبد،وكم ممن اشتغل بتلك الملابس فرحل وتركها ولم تلامس جسده .أخي الحبيب احرص على ختم عملك بخير فإن الأعمال بالخواتيم الم ترى الى أنه من كان آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة ؟.
الوصية الثانية:أن يكون همك هذا العمل الذي بذلته هذا الصيام وهذا القيام أن يتقبله منك ربك وهذا دأب الصالحين الموفقين وصفهم بذلك رب العالمين بقوله:{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}المؤمنون،أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:يارسول الله يؤتون ماآتوا وقلوبهم وجلة هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر وهو يخاف الله عز وجل؟قال:لايابنت الصديق ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عزوجل، وفي رواية الترمذي وابن أبي حاتم(..وهم يخافون الايتقبل منهم)قال الحسن:لقد أدركنا أقوماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها،فاحرص أخي الحبيب على التضرع بين يدي ربك ومولاك أن يتقبل منك عملك وثق أن ربك عظيم جواد كريم.
الوصية الثالثة: في آخر ليلة من رمضان فلا تفوتك هذه الليلة لأن لله جل وعظم في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار وفي آخر ليلة من رمضان يعتق الكريم سبحانه بعدد ما أعتق طوال الشهر فإن فيا أيها العبد إن فاتك العتق لا سمح الله خلال شهر رمضان كله فتعرض لنفحات الكريم في هذه الليلة عله أن يرحمك ويكتبك مع العتقاء،كما أنه جل شأنه يغفر في آخر ليلة من رمضان لمن أدى لشهر رمضان حقه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيوفي العاملين أجرهم عند انقضاء الأجل وتخيل يوم يعطيك الكريم سبحانه.
الوصية الرابعة: في عبادات وسنن شرعها لك ربك في ختام هذا الشهر الكريم أولها التكبير عند انتهاء عدة شهر رمضان فيكون التكبير عند انتهاء العدة أي بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان وصفته أن يقول:الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد،ويسن الجهر بها للرجال دون النساء،ويكون التكبير في البيوت والأسواق والمساجد ووسائل النقل وفي كل مكان يصح فيه ذكر الله،وكم فرط قوم في هذه السنة حتى غدت الأسواق والمساجد تكاد تخلوا من تطبيق هذه السنة،فأحيوا عباد الله هذه السنة في بيوتكم وفي أسواقكم وفي مساجدكم اجعلوا المساجد والبيوت والأسواق تضج بالتكبير والتهليل طاعة لله الذي أمر بها وإظهاراً لفرحة إكمال عدة رمضان،ومن تلك لعبادات صلاة العيد مع الجماعة بالمسجد ويسن أن يأكل بعد الفجر وقبل الخروج لصلاة العيد تمرات وتراً يظهر فيها طاعته لربه يوم أمره بالفطر كما أطاعه يوم أمره بالصيام،ويخرج الرجل في كامل زينته ويتجنب ماحرم الله من الذهب والحرير ، وكذلك تخرج المرأة للصلاة اتباعاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لكنها لاتخرج كما نرى بعض النساء اليوم متعطرة متزينة ومزاحمة للرجال،بل عليها أن تخرج بكل وقار وأدب،ويسن للرجل الخروج ماشياً لاراكباً إلا من بعد أو عجز وأن يخالف بين طريق الذهاب والإياب.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
الخطبة الثانية
الحمد لله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}أحمده سبحانه وأشكره أن من علينا بإتمام رمضان وأن وفقنا فيه للصيام والقيام ونسأله أن يوفقنا للاستقامة على دينه على الدوام وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له ولاند يرام وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة سرمدية على الدوام.أما بعد:فإن مما افترضه الله عليكم أحبتي في الله في ختام هذا الشهر زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، تجب بغروب شمس ليلة العيد ، وهي فريضة على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين ممن يجد مايفيض عن حاجته يوم العيد وليلته ،ولاتجب عن الحمل في البطن إلا أن يُتطوعُ بها فلا بأس،وتجب على الرجل وكل من تلزمه مؤنته من زوجة أو قريب إذا لم يستطيعوا إخراجها بأنفسهم فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم،وهي صاع من طعام لايجزيء غيره من ملابس أو آنية أو نقود على ما رجحه علمائنا من أقوال أهل العلم فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه ، وهي من غالب قوت أهل البلد،وأفضل وقت لإخراجها هو صباح يوم العيد بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد ، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أويومين ، ولايجوز تأخيرها عن صلاة العيد فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر فهي صدقة من الصدقات وليست بزكاة فطر،وتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج سواء كان محل إقامته أو غيره،فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه أو كان لا يعرف المستحقين فيه وكل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحقين ، والمستحقون لها هم الفقراء ومن عليهم ديونا لا يستطيعون وفاءها،ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير،كما يجوز دفع عدد من الفطر إلى مسكين واحد،ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه أو أحد من عائلته إذا كالها أو أخبره دافعها أنها كاملة ووثق بقوله.وأود أن أذكر أحبتي في الله من يبحث عن أرخص الأطعمة ليخرجها ولوكانت من النوع الرديء بقول الرزاق الكريم:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}كما لو أن الرجل بحث عن المستحقين الذين لايخرجون إلى الشوارع بحثاً عن الزكاة وإنما جلس بهم التعفف خلف أبواب بيوتهم لكان ذلك أعظم في أجره.