رسالة من المصحف فى شهر الخير
أنا جئت لأغيِّر العالم، أُشعل الإيمان في النفوس، وأُحرر العقول من الجمود
أُؤدب الطغاة وأنصر المظلوم وأحقِّق العدل في الوجود، جئت أرفع شأن الإنسان
والإنسانية، وأنهض بالأمم، جئتُ أطهر النفوس وأكبح جماح الشهوة وأسعد البشر
أينما كانوا
لا يفهم المسلمون ذلك
يرونني دائمًا كتابًا مباركًا، يكفي أن يكون لي مكان في المنزل أو في السيارة
أو على مكتب العمل، بين الحين والحين تلتقطني يد لتقرأ بعض آياتي، بعد أن
ينفض التراب المتراكم فوق جسدي
معظم أصدقائي من الشيوخ، أما الشباب فهم زاهدون فيّ، يصر أن يكون في
طريق، وأنا في طريق، انهيار مستوى اللغة العربية يشعر بعضهم أن قراءتي
تشبه المعركة الحربية، من كثرة ما يتلعثم ويخطئ في نطق الحروف وتشكيل
الكلمات
وحزني ليس لأنه لا يقرأني بسلاسة وبإتقان التجويد الذي يجعل من قراءتي
متعة للسامع والقارئ، بل حزني أنه لا يعرف أن الله سيجزيه أجرين وليس
أجرًا واحدًا: أجر القراءة وأجر المشقة
لا أنكر طبعًا اجتهاد الشباب الملتزم معي، مع أسفي لقلة عددهم، ولكني أعتب
عليهم انكسار همتهم معي، فما يلبث أحدهم أن يهم بحفظي بمنتهى الحماس
حتى تفتر همتهم عند الجزء الثاني أو الثالث، فيترك حفظي أو يحبط فيترك
قراءتي
شهر رمضان هو شهري وعيدي الذي أنتظره من العام إلى العام، يتخطفني
الناس من كل مكان لقراءتي، آياتي لا تكف آناء الليل وأطراف النهار، تقبض
عليَّ كل الأيادي بفرح، الشباب والفتيات والرجال والنساء والأطفال، أتعرف
على وجوه بعض العصاة الذين تنبض قلوبهم بالخير ويحتاجون إلى من
يأخذ بأيديهم منذ زمن، ودائمًا يأتي موعدي معهم في شهر رمضان
الكثير من الناس حتى الملتزمين منهم لا يفهمني، ولا يحاول أن يفهمني
جميل أن يتسابقوا في ختم القرآن مرة أو مرتين خلال الشهر، ولكن أين
السباق على الفهم والتطبيق والتدبر؟
على قدر سعادتي بارتباط الناس بي في شهر رمضان، على قدر اشتياقي
لأن يحرر الناس آياتي من الورق لينزلوا بها إلى الشارع والمصنع
والمدرسة والمتجر، أريد أن أنطلق بأفكاري ومنهجي الرباني لآخذ بيد
الناس وأساعدهم، لماذا لا يدرك المسلمون حقيقتي؟ متى يرون فيّ الكنز
الثمين الذي سيحقِّق لهم السعادة والنهضة والعزة؟
لم يعرف أحد من أنا مثل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان
الله عليهم، كنت نبض قلوبهم والدماء التي تسرى في عروقهم، آياتي
المنزلة كانت قانونًا إلهيًّا لا نقاش فيه، وتطبيق شرائعي كان أولى من
حفظ حروفي، كنت فاعلاً في حياة الناس أغيِّر أفكارهم وأعدِّل سلوكهم،
شكلت جيلاً فريدًا أذهل الجميع بإيمانه وصبره وعلمه وتواضعه وذكائه
وبساطته
أرجوكم.. في شهر رمضان اقرءوني واحفظوني ما شئتم.. ولكن افهموني
وطبقوني في حياتكم، أشعروني بكياني وفجّروا طاقتي وأنقذوا بي أنفسكم
وهذا المجتمع المسكين