هى الوحيدة التى تنتمي الى زمن الفن الجميل التي إختارت وهى في قمة نجاحها أن تعتزل الفن والشهرة والآضواء وتتفرغ فقط للعبادة وقراءة القرآن ولأعمالها الخيرية .
وربما يظن البعض أن تلك الآعمال الخيرية بدأت مع لحظة إعتزالها لكن تاريخها وسيرتها الإنسانية يؤكدان لنا أن حبها للخير جزء أصيل فيها والقصص كثيرة ومعروفة للجميع طوال حياتها الفنية ، وحتى بعد إعتزالها.. حبها للخير وفعله لم يتوقف يوما ولم ينقطع سيل عطائها منه.
أحدثكم أعزائي عن الفنانة والنجمة الكبيرة شادية التي نحتفل ونحتفي بها في الثامن من فبراير كل عام بعيد ميلادها .
ورغم أن أن الأعمال الخيرية لنجمتنا المحبوبة والغالية شادية غير معلنة ولاتريد الحديث عنها بحال من الأحوال ، إلا أنها ظاهرة وواضحة للعيان سواء من خلال المستوصف الخيري في حي المهندسين والذي يتلقى العلاج فيه يوميا المئات من المرضى غير القادرين ، أو من خلال المسجد الذي يقع في نهاية شارع الهرم وملحق به العديد من الأنشطة الخيرية من فصول لتحفيظ القرآن وفصول لمحو الأمية والمركز الطبي الذي يقدم خدمات الكشف والعلاج المجاني للمترددين عليه ،
هذا إلى جانب ماتخصصه شهريا من مساعدات مادية لأصحاب الحاجة ويدعون ليل نهار للحاجة شادية بدوام الصحة والستر، وهى الدعوة المحببة إليها دائما ، وتدعو بها إلى نفسها.
كل هذه الأعمال الخيرية لم تتحدث عنها يوما الحاجة شادية ، ولم تذكرها أبدا سواء في أحاديثها العامة أو الخاصة ولا يعلم بها سوى أصحاب الشأن فقط ، والشخص المكلف بتنفيذها والذي يرفض هو الآخر الحديث عنها .
لكن حدث مالم يتوقعه أحد .. ففجأة ودون إتفاق مسبق بينهما كشفت فنانتان عن المساعدات وأعمال الخير التي قدمتها شادية إليهما ، لم يكن أمر الحديث في هذا الموضوع مرتب له، ولكنها فقط الصدفة البحتة عندما إشتد عليهما المرض وتم نقلهما إلى المستشفى، الفنانة الآولى هى "سميحة توفيق" التي ذاع صيتها في سنوات الخمسينيات والستينيات حيث كانت حديث الجماهير لما حققته في أدوارها الأولى في السينما?
كانت خلالها تتنافس مع هند رستم وتحية كاريوكا?. وامتلكت خلال فترة بسيطة إمكانيات النجمة الأولي، فكانت تتسم بأنوثة مصرية وتجسيد لأدوار إنسانية تعبر عن أنماط اجتماعية في مجتمعنا، حيث مثلت في أكثر من 60 فيلما. من أهمها - بلبل أفندي -المرأة والشيطان - بادور عليكي- آه من الرجالة - محسوب العيلة - جوز الأربعة - ليلة الدخلة - معركة الحياة - ليلة غرام - آدم وحواء - أنا بنت ناس - ابن النيل - فايق ورايق - الحب في خطر- كأس العذاب - غضب الوالدين - اديني عقلك - زمن العجايب - السر في بير - غلطة العمر - السيد أحمد البدوي- حكم الزمان - في شرع مين - قلبي على ولدي - ابن الحارة - المستهترة - الدنيا لما تضحك - ما ليش حد - دعاء المظلوم - الحريف - قفص الحريم - الجوع - عصر الحب - الملائكة لا تسكن الأرض.
وأجادت أداء أدوارها فيها جميعا و سعت دائماً للتجديد والتطوير، فشاركت في أعمال مسرحية وتليفزيونية وإذاعية لأعمال نجيب محفوظ و توفيق الحكيم و محمد عبد الحليم عبدالله وعبد الحميد جودة السحار،والمخرجين صلاح أبوسيف وهنري بركات وحسين كمال..
ومن النجوم الذين اهتمت بالعمل معهم شادية وشكري سرحان ومحسن سرحان، وكانت قد انشغلت في منتصف الستينيات بمسرح توفيق الحكيم، وكان من المفترض أن تقدم كثيراً من أعمالها الفنية، إلا أن هزيمة 1967حالت دون ذلك وقدمت من الأعمال الدينية 5 أفلام أهمها "هجرة الرسول".
وكانت آخر أعمالها مشاركتها في مسرحية "ريا وسكينة " وهى أيضا آخر عمل درامي شاركت فيه نجمتنا الكبيرة شادية ، ولما زحف المرض إلى الفنانة سميحة توفيق لم تجد بجانبها سوى صاحبة القلب الكبير لمعاونتها على مواجهة آلامه وتكاليفه ولاتزال إلى اليوم ـ والكلام هنا للفنانة سميحة توفيق نفسها ـ حيث قالت :
شادية هى الوحيدة التي تسأل عني وترسل لي مبلغا ماليا من آن لآخر مع أحد أقاربها ، شادية جميلة زي الورد بنت ناس وكان كل الذي يقترب منها يحبها فهى رقيقة وحساسة ولها في عنقي دين كبير .
كان هذا هو كلام الفنانة التي داهمها الفقر والمرض ولم يتذكرها أو يسأل عنها أحد وتجاهلتها كل الجهات الرسمية وغير الرسمية التي تهتم باهل الفن .
مفاجأة أخرى أعلنتها صبيحة أحد الأيام الفنانة المعتزلة "نعمة مختار" والتي غابت فجأة عن الحياة الفنية بعدما تعرضت لخسارة مالية فادحة وطاردتها الديون بسبب الفيلم الذي دخلت به ميدان الإنتاج وهو "المرأة التي غلبت الشيطان" .
ونعمة مختار لمن لايعرفها واسمها الحقيقي "نعمت محمد علي مختار" من مواليد 1928, بدأت حياتها الفنية كمطربة لحن لها كبار الملحنين وفي مقدمتهم الموسيقار محمد الموجي وقدمت أول افلامها السينمائية امام الفنانة نعيمة عاكف في فيلم "فتاة السيرك" بعدما رشحها ادمون نحاس للقيام بدور شقيقتها ووافق المخرج حسين فوزي على الترشيح بعد أن أجرى لها اختبار كاميرا .
ولما رقصت لأول مرة في حياتها في أحد الأفراح انبهر المدعوون بها وكان من بينهم نعيم متعهد حفلات المطرب كارم محمود فجاء إلى والدتها واتفق معها على أن تقوم بالرقص في فرقة كارم محمود, حتى أصبحت بطلة فرقة كارم محمود الذي كان يغني على المسرح وهي ترقص أمامه وسرعان ما تعرفت على المطربين عبد المطلب وشفيق جلال ومحمد قنديل وكانت ترقص على ايقاعات أغانيهم.
سمعت عنها "نعيمة عبده" صاحبة أشهر فرقة استعراضية في مصر حينذاك فتوجتها بطلة لفرقتها وتعرفت على المشاهير من النجوم من خلال الفرقة التي تخصصت في احياء حفلات العائلة المالكة في مصر وكبار العائلات وكانت تتفق مع كبار النجمات للرقص أو الغناء معها مثل صباح وسامية جمال وتحية كاريوكا ودارت العجلة وأصبح المخرجون يسندون إليها رقصات في أفلامهم, وبسبب مهارتها وموهبتها طلبها الموسيقار فريد الأطرش في جميع حفلاته التي كان يقيمها في بيته فكان هو يعزف على العود وهي ترقص على نغماته.
ومما يذكر أن الراحلة كوكب الشرق أم كلثوم كانت من أشد المعجبات بنعمت مختار حتى إنها أطلقت عليها لقب سيمفونية الرقص الشرقي .
وفي مرحلة اخرى من حياتها اتجهت الى الانتاج ومن أشهر الأفلام التي أنتجتها "المرأة التي غلبت الشيطان" عام1973 قصة توفيق الحكيم, وإخراج يحيي العلمي, كما أنتجت العديد من الأعمال الفنية, إلا أنها ابتعدت عن الوسط الفني وتفرغت لحياتها العائلية واعتزلت الرقص تماما وحجت إلى بيت الله الحرام ومما يذكر أنه عرض عليها مبلغاً كبيراً في الساعة مقابل تدريسها الرقص لمجموعة من الفتيات في أحد المعاهد المتخصصة إلا أنها رفضت الإغراء المالي لأنها تفرغت للعبادة وقراءة القرآن الكريم وتذهب بين الحين والآخر لأداء العمرة واختارت طريق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والعيش في مدينة الآسكندرية حيث مسقط رأسها . وحينما تعرضت لمحنة المرض أعلنت أن الوحيدة التي تسأل عنها وتساعدها ماديا هى الفنانة شادية.
وقد حدث ان إلتقينا منذ أسابيع قليلة بالمنتج الأردني"إسماعيل كتكت" في مدينة بور سعيد المصرية حيث كان يتم تكريمه عن إنتاج مسلسل " أنا قلبي دليلي" الذي يتناول سيرة حياة المطربة الشهيرة ليلى مراد ، وهو منتج مسلسلات السيرة الذاتية بداية من " الملك فاروق " مرورا بالمطربة أسمهان ويستعد حاليا لـ "الملكة نازلي" ، ويتردد أنه بصدد إنتاج مسلسل عن نجمة الغناء والتمثيل شادية وهناك من يجمع له كل ماكتب وأذيع عنها سواء فيما كتبته الصحف والمجلات أو ماسجلته من لقاءات وحوارات عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية تمهيدا للشروع في كتابة عمل تليفزيوني ضخم يتناول سيرة حياتها.
لذا سألناه ونحن على مائدة العشاء التي أعدتها لنا جهة التكريم بإعتبارنا ضمن المكرمين من أهل الصحافة وقلنا له :
هل حقا تنوي إنتاج مسلسل عن السيدة شادية ؟
فرد بسرعة : لا
ولكن هناك من يؤكد ذلك دون وجود نفي من جانبكم ؟
كل هذا مجرد كلام ولم أتخذ أي خطوات فعلية ، لأنني ببساطة لاأملك موافقة شفهية أو خطية من الحاجة شادية نفسها ، وفي هذه الحالة فقط يمكنني البدء بالتنفيذ لكن حاليا لاتوجد أي تحضيرات لمثل هذا العمل .
وهنا سألناه أيضا .. هل قصة حياة شادية تستحق لأن تقدم عبر عمل فني ؟
فقال : بالتأكيد لأن حياتها مليئة بالدراما .. النجاح الذي حققته والشهرة التي وصلت إليها وحب الناس الذي تتمتع به والعمل في السينما والمسرح والغناء ، ثم الإعتزال والعيش متفرغة للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى .. كل هذا يعد دراما إنسانية قادرة على صنع عمل فني شديد الجاذبية وشديد الجمال ، لكن مثل هذا العمل لن يظهر للنور مالم تعطنا موافقتها الصريحة .
إلى هنا وتوقف حديثي مع المنتج "إسماعيل كتكت " وبقيت الرؤية الفنية لتقديم قصة حياة هذه الفنانة الرائعة يتردد صداها داخلي .
وعلى أية حال سواء وافقت السيدة شادية على أو لم توافق على تقديم قصة حياتها في عمل فني ، فإن وجودها بيننا يعطينا إحساس رائع بالطمأنينة وحلاوة الحياة وبأننا لا نزال نعيش في كنف "زمن الفن الجميل" .
كل سنة وانت طيبة يا شادية القلوب ومتعك الله بالصحة والعافية وباقة حب من "الواحة "نهديها اليك وعمر مديد بإذن الله.