إنه كتابٌ رائع الفحوى، عميقُ المضمون، شيّق الأسلوب، يتفاعل مع نفس قارئه، فيأبى إلاّ أن يترك فيه أثراً ممتداً، أفكاره مزيج متجانس من علم النفس وعلم الإجتماع والفلسفة والأدب وعلم الإدارة، ومثل هذا المزيج، غالباً ما يُنتجُ جرعات عالية من «الحكمة» التي نتعطش اليها .
المؤلف، خبير امريكي في مجال السلوك الاداري، يدعى «ستيفن كوفي» وهو شديد الإيمان بالقيم الانسانية والمبادئ المثلى، ولقد بيعت من كتابه هذا ملايين النسخ، وتُرجِمَ الى لغاتٍ عدة (منها العربية)، ولازالت تعقد دورات تدريبية في مجاله وحول مضمونه، وقد اعتبُر المؤلِّف واحداً من أكثر خمس وعشرين شخصية أثّرت في المجتمع الأمريكي في استفتاء أجرته مجلة شهيرة بعد فترة من تأليفه للكتاب .
ومن غير الممكن طبعاً، اختصار مثل هذا الكتاب في سطور هذه المقالة المحددة المساحة، لذا سأكتفي بالإشارة الى الخطوط العريضة التي اشتمل عليها، من خلال العادات السبع التي أوردها الكاتب، استناداً الى أنَّ شخصياتنا تتكون من مجموع عاداتنا، فللناس الأكثر نجاحاً وتأثيراً عادات محددة تسوقهم إلى هذا التميّز .
العادة الاولى : السبقيّة والمبادرة والايجابية
ويعني الكاتب بذلك أن يكون الإنسان مسؤولاً عن حياته، وأن تصدر تصرفاته عن قراراته، بحيث لا يكون لعبة بيد الظروف، ولا تقتصر ممارساته على ردود الأفعال، بل تنطلق سلوكاته من ذاته، ولا تكون مجرد تأثّر بالمحيط والبيئة، ويرى الكاتب أن لكل منّا في حياته دائرة اهتمام تمثل الاشياء التي تعنيه وتلفت انتباهه، كما أن له دائرة تأثير تتجلى في الأمور التي يمكن له أن يُحدِثَ فيها تغييراً، وعلى الشخص السبّاق المُبادِر أن يُركّز على دائرة تأثيره أكثر من التركيز على دائرة اهتمامه، وأن يسعى في سبيل توسيع دائرة التأثير تلك .
ويؤمن الاشخاص السبّاقون دائماً، بأن العوامل الخارجية ليست هي المؤثِّر الأكبر في سعادتنا وشقائنا، بل نظرتنا الى تلك العوامل وكيفية تفكيرنا فيها وتقبلنا لها وتفاعلنا معها هو الذي يُحدد تأثيرها .
العادة الثانية : ابدأ والنهاية واضحة في ذهنك
يرى الكاتب أنَّ كل ما هو موجود في الحياة يوجد مرتان : فمرة يوجد كفكرة في الذهن، ومرة يوجد كواقع ملموس ومعاش، ويسمي الفكرة وهي لا تزال في الذهن باسم «الخَلْقْ الأول» أمّا حين تترجم في الواقع فإنها «الخلق الثاني» .
وبمقدار ما يكون «الخلق الأول» واضحاً في أذهاننا ومحدد الأبعاد والتفاصيل فإننا ننجح بتطبيقه في واقع الحياة والعمل، وهذا هو المقصود بأن نعتاد على أن نبدأ أعمالنا ونحن على تصوّر واضح لما نريد الوصول اليه، ويساعدنا في ذلك ان نحدد رسالتنا في الحياة، وأهدافنا، والأدوار التي نقوم بها، وواجباتنا في كل دور .
العادة الثالثة : الإهتمام بالأهم ثم الأقل أهمية (الأولويات)
يرى الكاتب أننا نقضي أوقاتنا في واحدٍ من المربعات التالية :
1- مربع المهم والعاجل: مثل الأزمات، والمشكلات الملحّة، والمشاريع التي اقترب انتهاء موعد تسليمها .. الخ .
2- مربع المهم غير العاجل: مثل التّخطيط، والتنظيم، والتدريب، والبحث عن الفرص، والصيانة، والتعليم، وتطوير الذات .
3- مربع العاجل غير المهم : مثل الهواتف التي نستقبلها، والزائرين بغير موعد، والاجتماعات المفاجئة غير المهمة .
4- مربع غير المهم وغير العاجل : مثل مضيعات الوقت المختلفة.
ويجب في كل الأحوال إعطاء الأولوية للمربع الثاني، بحيث لا تكون حياتنا مجرد إدارة ازمات متلاحقة عندما نحصر أنفسنا في المربع الأول، ولا تكون مضيعة للوقت عندما نبقى في المربعات الأخرى .
العادة الرابعة : التفكير بأسلوب الكسب المشترك
هناك اساليب متعددة للتعامل مع الناس، ومنها اسلوب « أربَحْ/تَربَحْ « الذي يسعى فيه كل طرف لتحقيق الكسب لنفسه وللطرف الآخر، وهو أفضل الاساليب التي تحقق التعاون والفائدة .
كما ان هناك اسلوب «أربح/تخسر» يسعى فيه الشخص لأن يكسب على حساب الآخر، وهناك اسلوب «أخسر/تربح» يكون فيه الشخص مستعداً للخسارة لقاء ان يحقق الطرف الآخر الربح، كما أن هناك أسلوب «أخسر/تخسر» والذي يهتم فيه الشخص بأن يحقق الخسارة للطرف الآخر، حتى لو أدى ذلك الى خسارته هو ذاته (عليَّ وعلى اعدائي) ويظل اسلوب «أَربح/تربح» هو الأفضل من بين هذه الأساليب، لما فيه من استقامة، ونضوج، وتحقيق للاعتقاد القائل بأن الموارد تكفي الجميع ولا داعي للصراع عليها .
العادة الخامسة : إفهم الآخرين أولاً، ثم حاول أن تجعلهم يفهمونك
وأهم ما يحقق لنا الفهم للآخرين هو الإصغاء، والاستماع للآخرين بنيّة الفهم، وليس بنيّة الرد على ما يقولون، ويتطلب فهم الآخرين احترام مشاعرهم كذلك، فإذا استطعنا تحقيق هذه العادة يصبح من السهل علينا أن نجعل الآخرين يفهموننا عن طريق الإقناع وعرض الأفكار بوضوح وحرية .
العادة السادسة : التّلاحم مع المجموع
الكل أَعظم من مجموع أجزائه، ولذلك فإن الذين يفقدون القدرة على الحياة الجماعية يفتقدون كماً كبيراً من الطاقة، وعندما يكتسب الإنسان القدرة على الانتماء للمجموع والعمل معهم فإن يفيد ويستفيد، وأهم ما في التلاحم هو الثقة، والنضوج في التعامل، وتجنب احتمالات المواجهة والصراع، والاشخاص الذي يحسون بالأمان، يكونون عادة أكثر قدرة على التلاحم مع المجموع، وليس لديهم ميل كبير لاعادة تشكيل الآخرين وتغيير أنماط تفكيرهم .
العادة السابعة : تطوير الذات وشحذ المنشار
وذلك بأن تحافظ على أثمن ما لديك وتعمل على تنميته، وأن تجدد قوتك في المجالات الأربعة للذات الإنسانية : (الجسم والعقل والروح والعاطفة) وتحقق لها التوازن .
فتطوير البعد الجسدي يتمثل في الحفاظ على الصحة والرياضة والاسترخاء وتخصيص الوقت لمثل هذه الأمور، أما البعد الروحي فيشمل العبادات وتذوق الجمال والفن والأدب، والبعد العقلي يتجلى في القراءة والكتابة والتخطيط والتنظيم، وبالنسبة للبعد العاطفي فأساسه العلاقة مع الآخرين وخدمتهم ومساعدتهم والتفاعل الوجداني معهم .
وبعد ... أؤكد بأن مثل هذه الخلاصة العاجلة، لا يمكن أن تعبر عن قيمة الكتاب ذاته، لأن مئات الصفحات لا تُختزل في صفحة واحدة دون أن تُخلَّ بالمضمون، لكن هدفنا كان مجرد الإشارة الى هذا الكتاب والتنويه بروعة مضمونه .